شعار قسم مدونات

نصف المدة

blogs - egypt
الكلام عن صديق محبوس صعب. قد يُتهم الإنسان بأن في هذا محاباة وحرمانا للمحبوسين غير المعروفين له وهم في مصر عشرات الآلاف من حقهم في الدعم. وقد يقارن المقارنون بين ما يعانيه صديقي وهو كثير وما يعانيه غيره ممن تعرضوا لأكثر مما تعرض له هو.

والحبس في العقرب وقتل الأبناء وحرق الجثامين بعض ذلك لا كله. لكن تبقى الكتابة عن علاء عبد الفتاح مهمة. هي مهمة تحديدا لأنه معروف، وتحديداً لهذه الصداقة الشخصية معه ومع أسرته. ان الحاكم عندما يرتكب جرمه في السر يكون على درجة من البطش والجبروت، هي على قسوتها، أقل من درجة البطش التي يكون عليها حين يرتكب فعلته امام أعين الناس جميعاً.

المسألة لعبة ميزان قوة: مجموعة من الناس يقودها الحاكم تتحرك بالأمر والإجبار، ومجموعة من أقارب السجين وأصدقائه تتحرك بالمودة والشرف.

إنهم لم يحبسوا علاء لأنه كان على وشك اقتحام القصر الجمهوري بجيوشه الجرارة، ولكنهم حبسوه ليعتبر كل فرد في هذه الحشود بحبسته فلا ينزل للشوارع. إن الحكومة يا عزيزي القارئ لا تخاف المشاهير، إنما تخاف المساتير غامضي الوجوه واضحي النوايا وهم يحبسون المشاهير فقط ليخيفوا عدوهم الحقيقي.
 

ثم إن إخراج علاء من السجن أصبح مسؤوليتنا جميعا تحديدا لأنه صديقنا. إن الحاكم يريد أن يكسر كل العلاقات البشرية القائمة ولتحل محلها علاقة القوة وحدها. يريد الحاكم أن يقول إن حب الأم لابنها أو الأخت لأخيها أو الصديق لصديقه، أضعف من أن يحمي هذا الابن أو الأخ أو الصديق، وأن قوته العسكرية البوليسية أقوى من الأبوة والأمومة والصداقة.

المسألة لعبة ميزان قوة: مجموعة من الناس يقودها الحاكم تتحرك بالأمر والإجبار، ومجموعة من أقارب السجين وأصدقائه تتحرك بالمودة والشرف. والحاكم يرى أن المجموعة الأولى لا بد وأن تغلب المجموعة الثانية، لكي يثبت للناس أن خوفهم من بطشه ورغبتهم في رضاه أوقى من الشرف والمودة. الحاكم يسجن أصدقاءنا وأبناءنا لأن نظام حكمه تهدده الصداقة والبنوة. "إن المعارف في أهل النهى ذمم" وهذه "الذمة" هذا الوعد بالسند، هو الذي يريد الحاكم، بقوة السلاح، أن يكسره ليظل حاكماً.

هذا في العموم، أما في هذه الحالة المخصوصة بالذكر، فإن علاء وأختيه وأمه وأباه، يفعلون للآخرين أكثر مما يفعلون لأنفسهم. ولم يستفيدوا لا من انتمائهم الطبقي ولا من علاقاتهم الاجتماعية ولا من توفرهم على خطوط اتصال بالإعلام القديم والجديد، بل هم استخدموا هذا كله ما استطاعوا لحماية الآخرين أو التخفيف عنهم.
 

وقد عارض علاء حكم مبارك، ثم حكم المجلس العسكري، وعارض بشدة تحالف الإخوان المسلمين مع المجلس العسكري عامي ٢٠١١ و٢٠١٢، وكان محقاً في هذا كله. ثم ما لبث أن سمى عبد الفتاح السيسي سفاحاً، قبل مذبحة رابعة العدوية، وكان ممن رفضوا تفويضه بشيء.
 

وعلى عكس الكثيرين ممن تصدروا المشهد، كبارا وصغارا، بعد يناير ٢٠١١، فان علاء كان واضحا في رفضه اتفاقية كامب ديفيد، وكونه يرى من الاولويات إلغاءها وانهاء الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ودعم المقاومة الفلسطينية. وهذا عند كل عاقل هو اختبار ثورية أي إنسان أو حزب يدعي الثورية في مصر. إن ثورة في بلاد العرب تهادن إسرائيل ليست بثورة، وكان علاء يعرف هذا جيدا.
 

لقد اخطأ الجميع منذ ٢٠١١، ولم يكن الخطأ الا الفرقة بين ذوي المصلحة الواحدة. وطوبى لمن كان يعمل، علم أصدقاؤه أم لم يعلموا، رضوا ذلك أم سخطوا، على أن لا يبلغ الانقسام بين الإسلاميين والعلمانيين هذا المبلغ الكارثي. وقد كان علاء وأسرته، يركزون على ما يمكن أن يجمع الطرفين، رغم انتمائهم الواضح لأحدهما دون الآخر. فحركة "لا للمحاكمات العسكرية" والعمل ضد بطش الداخلية بالناس، كان توجهاً يجمع عليه الطرفان، ولو ترك للشباب من كل التنظيمات السياسية أن يتوحدوا على برامج عمل كهذه، صد داخلية مبارك، لكان وضعنا جميعاً أفضل بكثير اليوم.

لم يكن أي منا بريئا من الخطأ، ولكن يجب علينا جميعاً أن نكف عن تكرار أخطائنا. ومن يمتنعون اليوم عن المطالبة بالإفراج عن إسلامي لأنه إسلامي أو عن علماني لأنه علماني إنما يصرون على تكرار الخطأ ويعرضون أنفسهم واولادهم لخطر الاعتقال وما هو أسوأ من الاعتقال.

إن لم يخرج السجناء في مصر، فسيتعدى الناس حد المطالبة بالكتابة إلى المطالبة بالحشود كما كانت قبل خمس سنين.

أكتب اليوم بعد انقضاء نصف مدة اعتقال علاء، مطالبا بخروجه وخروج كل المعتقلين السياسيين، فالبلد لم تعد فيه فئة لم تتعرض للاعتقال، من رئيسه السابق إلى سواقي الحافلات والباعة المتجولين، ومن الشيوخ المسنين إلى الأطفال القصر. وسنكتب عن كل من نعرفه منهم ونطالب بخروجهم واحداً واحداً، فإن لم يخرجوا، فسيتعدى الناس حد المطالبة بالكتابة إلى المطالبة بالحشود كما كانت قبل خمس سنين.

وأخيرا فإن شجاعة علاء معدية، وليست شجاعة أخته الأسيرة سناء عبد الفتاح إلا واحدة من شجاعات كثيرة كان نموذج علاء مصدرها. وإني لأكاد أرى وجه المحقق يحمرّ غيظا عندما رأى أمامه ابنة العشرين كأنها أخوها، بل تتجاوزه، وهي ترفض الإجابة على أسئلته وترفض الاعتراف بسلطته أو سلطة مؤسسة العدالة في مصر كلها.
 

إن محاولات الحكام أن يخيفوا الناس عادة ما تؤدي إلى زيادة شجاعتهم، وإن لم يفرج عبد الفتاح السيسي عن علاء وآلاف المعتقلين والأسرى الآخرين لكي يخيفنا، فإنه يوشك أن يرانا في الشوارع وفي القصور وفي الوزارات بألف وجه بلا أسماء، وبشجاعات كثيرة. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.