شعار قسم مدونات

بَعْثُ السينما والحِساب

blogs - photograph

فوتونات الضوء الطوّاف، في عتمة لوح منسية، ويجاورها شريط دوار حساس يرصد أي انعكاس، قادم من أرض المشهد عبر قناة العدسة، ليمسك بالواقع صوراً متتالية تنداح ألواناً على شاشات مرئيّة، وعيون القوم ترصد بين الصورة والصورة حركة يخيل إليهم من سحرها أنها تسعى، ووهم الحركة هو حقيقة المشهد.

 

عَرَقُ الساعي على الأوامر المنطلقة من فم المخرج الراوي أو المنتج الرائي، وجموع الفنيين من شتى الطرق وكافة الفِجاج، فذاك يختار الإضافات، وآخر ينمق الزِّي وبضع ممثلين متمتمين بين الممرات، نصوصاً تبلغ حد القداسة في التعبير وأخرى يُحَرّفُ بها الكلم عن مواضعه. ورذاذُ مسحوقِ مضاد الانعكاس على الجبين الندي تحت سطوة الإضاءة، وسِككُ الكاميرا الملقاة لحمل المُشاهِد من وإلى الممثل، وأعمدة الضوء القائمة لتضيء ما تشاء وتخفي ما تشاء بأمر مدير إضاءتها وراسم لوحتها، وصاحب عصا طويلة ملقاة على الأكتاف، لا يضيع عن حاملها همسة ولا دبيب قدم ولا هدير آلة.

  

ينتهي الحساب، ويأتيك من الجمهور الحَكَم الجواب، فإما جنة الإعجاب أو نار الانتقاد، وأنت على أعراف الحقيقة تقف لِما قدمت يداك. فلا تقلب كفيك كثيراً على ما أنفقت في ما استقدمت واستدرك ذلك فيما استأخرت

وهناك في الزاوية، متأهب بكلاكيت ينتظر القضم، وأمراً ببدء التصوير، وأرقامٌ تتلى تسميةً وتعريفاً لما صُوّر وما سيتم تصويره.  وفي غمرة الانسجام الأدائي واختلاط التمثيل بالحقيقة، ينفخ المخرج في البوق مقاطعاً، و يعيد المواقع للبداية، ويعيد التكوين إلى ما قبل الحياة، ثم يأمر بأكشن، ما أراد له أن يكون.

 

وفي غرف مظلمة إلا مِن شاشات التحرير، وهادئة إلا من نقرات المونتاج، وأصوات الكوادر العاملة، يقطع المشهد على المشهد، ويرتشف المخرج قهوته ويبتلع المحرر ريقه وتطفو على السطح خلافات ويُكتم في الجوف مثلها، وينافح كل ذو فكرة عن فكرته، حتى إذا ما قضى المونتير أمراً انتظر المخرج حتى إذا ما قضى أمراً انتظر المنتج، ليقضي أمراً كان مفعولا.

 

ثم تخفق القلوب يوم العرض، وتبلغ الحناجر لحظة بداية الفيلم، وترتص الصفوف أمام الشاشة في ساعة حشرٍ أو ساعتين، لا تكاد تسمع فيها همساً، وتتعلق قلوب الفريق المنتج، بإيماءات الجمهور وإيحاءات الوجوه وتفاعلات اللحظة، والكل ينتظر ما قدمت يداه من نصٍ ورؤية وتصوير وإنتاج وإخراج، يوم لا ينفع إلا ما قُدِّم.

 

ثم ينتهي الحساب، ويأتيك من الجمهور الحَكَم الجواب، فإما جنة الإعجاب أو نار الانتقاد، وأنت على أعراف الحقيقة تقف لِما قدمت يداك. فلا تقلب كفيك كثيراً على ما أنفقت في ما استقدمت واستدرك ذلك فيما استأخرت، فلسوف تُبعَثُ في هذا المشهد من جديد، كلما تفتق فيلم عن فكرٍ وليد، والصورة فكرة الخلق والبث، والجمهور على ذلك شهيد. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.