شعار قسم مدونات

العثمانيون أهدوا اليابان روبوتاً آلياً

blogs- عثماني

قد يبدو هذا العنوان للوهلة الأولى ترفاً تاريخياً، لكن شئنا أم أبينا هذه حقيقة تاريخية وحدثت فعلاً. ليس الهدف من العنوان هو ذكر هذى الحادثة التاريخية التي تحتاج لبحث منفصل والتي سنذكرها طبعاً، ولا تسليط الضوء على الإنجازات والاختراعات العثمانية، بل الهدف هو العنوان فقط. فما زلنا إلى اليوم نكشف الكثير عن خبايا الدولة العثمانية المجهولة.
 

في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ظهرت أول فكرة بشريه لصنع آلة متحركة تحاكي الإنسان في الشكل والسلوك، ومع أن ألمانيا تفوقت على كل الدول في هذا المجال، إلا أن الدولة العثمانية أيضا كانت في منتصف المنافسة. استطاع المهندسون العثمانيون صنع روبوت سُمي علامات. علامات كان قادرا على تحديد الوقت وإصدار أصوات تشبه الأذان عند حلول الصلاه، كما أنه كان قادرا على السير لعده أمتار، ويتم شحنه يدوياً.

متى سندرك أن الأرشيف العثماني الذي يحتاج إلى صياغة علمية جديدة هو المخرج لنا ولمجتمعاتنا من هذه الانقسامات الاستعمارية.

اكتُشِف رسم في كتاب عثماني بالأرشيف يصور جيشاً من الروبوتات تقاتل على الجبهة ضد الأعداء، لم تكن هذه أحلام يقظة لمؤلف الكتاب، بل هو تصرف طبيعي لطموحات الدول العظمى تماماً كفكرة العيش على المريخ هذه الأيام. أواخر ثمانينات القرن التاسع عشر ومن أجل التقرّب من اليابان القوة الصاعدة في الشرق، تم إهداء هذا الربوت من قِبل السلطان عبد الحميد الثاني للإمبراطور الياباني الذي أُعجِب بهذا السحر وأخذ هو والوزراء وسكان القصر يحلقون بهذا الخيال العلمي لساعات طويلة.
 

كما كانت هناك نسخه من الروبوت علامات في قصر يلدز، لكن حرق وتعطل في أحداث الانقلاب العسكري على السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909. لم تكن اليابان عندما شاهدت علامات تعرف ما هو الروبوت، لكن لا شك أن هذه الهدية ألهمت اليابان التي أصبحت اليوم رائدة الروبوتات. نعود الآن إلى العنوان، ما الذي يستطيع أن يهديه العثمانيين لنا اليوم ويكون مصدر إلهام كما حدث مع اليابان؟

الجواب هو هذا الإرث والأرشيف الضخم للدولة العثمانية. قد لا نستطيع أن نصنع روبوتاً من هذا الأرشيف، لكن بلا شك سنصنع الهوية والثقافة منها والتي هي عجلات عربة التطور. يذكر الكاتب شعبان صوان في كتابه الماتع أمريكا الإسرائيلية: كيف ان أمريكا اليوم تصنع تاريخياً من فراغ، ماذا لبس لنكولن؟ وحفريات البحث عن ضحايا حرب الاستقلال، وأين اجتمع الثوار؟ كلها أسئلة عن فرعيات تاريخية ليس لها تأثير بالثقافة، لكن ماذا تصنع دولة مستوردة غير صنع تاريخ بأي شكل لصنع هوية والحفاظ على ثقافة مشتركة تجمع الأمريكيين تحت راية واحدة؟ الهدف هو الوحدة بلا شك.
 
ولو أردنا نحن البحث في فرعيات التاريخ العثماني كما تفعل أمريكا لوجدنا الجواب لكل سؤال. ماذا أكل السلطان في أي يوم مثلاً على العشاء، وماذا كان يلبس ستجده محفوظ في سجلات الأرشيف. لكن ما يهمنا من هذا الأرشيف هو صنع الثقافة والهوية الوحدوية لمجتمعاتنا. متى سندرك أن الأرشيف العثماني الذي يحتاج إلى صياغة علمية جديدة هو المخرج لنا ولمجتمعاتنا من هذه الانقسامات الاستعمارية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.