شعار قسم مدونات

السوريون في الدراما التركية

blogs - drama

قبل شهر تقريباً.. كنت أقلّب قنوات التلفزيون حين شدّ انتباهي فيلمٌ كان يعرض على قناة "TRT1" الحكومية التركية، بعنوان "Hayat Çizgisi Suriye" أو "خط الحياة – سوريا"..
 

كان الفيلم يروي قصة حب عاصف بين جرّاح تركي ناجح، وفتاة سورية تعمل مترجمة في إحدى مشافي مدينة "غازي عنتاب" الحدودية.

بالغ الساسة الأتراك في تصوير اللاجئين كعبء ثقيل، وغفلوا عن موازنة هذا الخطاب داخلياً، الأمر الذي انعكس على المواطن بصيغة رفض وتذمر واعتقاد بأن اللاجئ يمتص حقوقه.

فبينما كان الطبيب في مهمة خاصة لإنقاذ حياة أحد المرضى، تعرّف إلى "عائشة" التي أجبرتها الحرب للجوء إلى تركيا وتعلم اللغة والعمل، في حين أنها ما زالت تبحث عن أسرتها التي فقدت أثرها خلال القصف في بلادها.
 

والحقيقة أنني أجبرت نفسي إجباراً على إتمام الفيلم حتى النهاية، فقد كانت أفكاره مباشرة وتفتقر لعناصر الجذب.. كما نُفّذ الفيلم بتقنيات فنية متواضعة، وخلا من مشاركة أي من الفنانين المعروفين، ولعل ذلك بسبب إعداده من قبل شركة إنتاج صغيرة.
 

لكن الجميل في الفيلم هو رسالته.. فقد ركز على إيصال معاناة الإنسان السوري التي أجبرته ظروف الحرب القاسية على اللجوء، وقد تلخصت هذه الرسالة على لسان بطلة الفيلم التي قالت في مشهد مؤثر "لن نستطيع إيقاف الحرب، لكننا نستطيع مساعدة ضحاياها"..
 

وبرأيي أن الأهم من تفاصيل الفيلم هو الفيلم بحدّ ذاته.. فهو أول عمل درامي تركي يتناول الأزمة السورية بطريقة إنسانية، على الرغم من مرور أكثر من 5 سنوات على الثورة التي شغلت حيزاً كبيراً من السياسة الخارجية والداخلية في البلاد.. فخارجياً كانت تركيا لاعباً مؤثراً في مسار الثورة منذ بداياتها وحتى اليوم، وداخلياً دفعت فاتورة استضافة نحو 3 ملايين لاجئ سوري.
 

ولم يغب التناول الإنساني للقضية السورية عن الدراما فقط، إنما عن جميع الأعمال الفنية، ولم يسبق هذا الفيلم سوى أغنية أداها الفنان اليساري "تيومان-فضلي يعقوب أوغلو" ولم يتم الاحتفاء بها محلياً، ولعل غالبية الأتراك لم يسمعوا عنها أصلاً.
 

لكن أساس المشكلة ليس غياب سوريا عن الدراما؛ بل حضورها الكثيف لكن بوجه آخر تحريضي وعنصري، حطّ في أحيانٍ كثيرة من قيمة الإنسان السوري والعربي، أو اتهمه بالإرهاب والدعشنة.
 

وعلى سبيل الرصد.. سأتناول 6 مسلسلات عرضت شخصيات سورية خلال عام 2016، لنجد أن 3 منها لعبت دوراً تشويهياً عبر اظهار الشخصية السورية بأنها عضو في "عصابات مأجورة"، أو طبيب يعمل في مافيا لسرقة الأعضاء، أو داعشي ذو لحية كثيفة يتحدث اللغة العربية ويختطف رجال المخابرات التركية ويعذبهم.
 

أما المسلسلات الثلاث الأخرى فعمدت إلى تصوير السوريين إما على شكل "لاجئة مشردة تعيش في منتزه"، أو طفل مشرد أيضاً، أو عائلة فقيرة يؤويها رجل تركي مقتدر.
 

وإن كان لا خلاف بالمطلق على كون تركيا قد استضافت الحصة الأكبر من السوريين الفارين من الموت، وقدّمت لهم أكثر مما قدمته بقية دول الجوار، وحرص المسؤولون الأتراك على وصفهم بالضيوف المكرَّمين، إلا أن السياسيين الأتراك أخفقوا في المقابل على الصعيد الاجتماعي والإنساني في تذويب اللاجئين، وتهيئة المجتمع لتقبّلهم.
 

فبعيداً عن كونها لم تسمح للسوريين بالعمل بصورة شرعية إلا مطلع العام الجاري.. فإن تركيا ركزت دوماً على تناول قضية اللاجئ السوري بلغة مخاطبة الغرب، وتحديداً أوروبا أملاً في الحصول على الدعم مقابل استقبال اللاجئين.. وقد بالغت في تصوير اللاجئين كعبء ثقيل، وغفلت عن موازنة هذا الخطاب داخلياً، الأمر الذي انعكس على المواطن بصيغة رفض وتذمر واعتقاد بأن اللاجئ يمتص حقوقه.
 

وقد أدّت هذه السياسة إلى تصديق شرائح واسعة من المجتمع، لدعاية المعارضة التي رفعت العنوان الشهير الذي يقول "أن تكون سورياً في تركيا، أكثر نفعاً من أن تكون تركياً".. وهي عبارة غير منطقية إلا أنها لاقت رواجاً وتمّ تداولها بكثافة مع جملة من المساعدات والامتيازات المزعومة التي تقدّمها تركيا للسوريين، مثل الراتب الشهري أو أجرة المنزل أو منحة المقعد الجامعي لكل سوري.. وكلها عارية عن الصحة.
 

كشف استطلاع للرأي أعدته مؤسسة "GFK" لحماية حقوق الأطفال، بأن 57٪ من الأتراك يرفضون أن يكون لأبنائهم أصدقاء سوريون.

وكرد فعل لغياب دور الدولة في تهيئة الرأي العام لتقبّل اللاجئين، وغياب الفهم الحقيقي للحرب السورية في مجتمع أقرب للانغلاق، مقابل التحريض الذي قادته جهات قومية وعنصرية، أصبح التحريض ضد السوريين أداة في يد المعارضة في حربها السياسية ضد أردوغان والحزب الحاكم.. وعلى صعيد شعبي أصبح التململ من السوريين والعرب سمة ظاهرة نلمسها كمقيمين في تركيا.
 

وعلى سبيل المثال فقد كشف استطلاع للرأي أعدته مؤسسة "GFK" لحماية حقوق الأطفال، وشمل أكثر من 1100 مواطن في 26 محافظة، بأن 57٪ من الأتراك يرفضون أن يكون لأبنائهم أصدقاء سوريون.. والمتأمل للاستطلاع سيلحظ العديد من النتائج الصادمة.
 

أمام هذه الاشارات تبرز حاجة "العدالة والتنمية" إلى تصويب سياسته التي زهدت في تهيئة الرأي العام لتقبل الوجود السوري، وتعريف المجتمع بالمكتسبات التي أضافها السوريون إليه لا سيما على الصعيد الاقتصادي، حيث أن 90٪ منهم يعيشون كغيرهم من الأجانب على نفقتهم الخاصة ولا يتلقون أي مساعدات لجوء، وفيهم أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين الذين أدخلوا إلى تركيا في الأعوام الخمس الأخيرة أكثر من 20 مليار دولار.
 

تحتاج تركيا وقيادتها إلى نشر هذه الثقافة وتدعيمها عبر تصريحات مسؤوليها وإعلامييها وعبر شاشة الدراما التي تصنعها.. وأتمنى لو كان فيلم "خط الحياة-سوريا" بداية لمثل هذا الوعي والتصويب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.