شعار قسم مدونات

الدين والثورة… عند علي عزّت بجوفيتش وعلي شريعتي

blogs - Palestinian militants
على الصعيد الشخصي، ازددت فخراً وتهياً وكدتُ بأخمصيَّ أطأ الثريا، عندما قرأت أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتفظ بتسعة سيوف وثلاثة رماح وسبعة دروع وثلاثة تروس وأسلحة أخرى.

هذا "الرسول الثوري-المقاتل" ما كان ليرضى بالذل والرضوخ للمعاناة، بل كان قدوة في محاربة الشر والظلم، فهذه المقاومة ارتبطت عندنا بمفهوم التدين، وهذه الروح هي التي سرت داخل الشعائر الدينية والمظاهر التعبدية، وجعلت منها معاني ثورية عميقة، فأصبح هذا المشروع الإلهي دافعاً ومؤسساً لمجموعة جوهرية من القواعد السياسية والاجتماعية.

الصلاة يوجد داخلها معنى ثوري عميق، أولئك المصلين كل حركاتهم وسكناتهم ثورية، وأولئك الثوار وكأنهم في صلاة جماعية – في الصلاة الله أكبر شعار للثورة على الغواية الشيطانية والرغبات الدنيوية، وفي الثورة شعار سقوط الطاغية تأكيداً لله الواحد الذي هو أكبر من كل نفس فرعونية.

كشف علي شريعتي عن ماهية الدين التبريري أو دين الشرك الذي يقع في تضاد مع الدين الثوري أو التوحيدي، الذي يعمل على تبرير الوضع القائم عبر تحريف المعتقدات والمبادئ العقائدية.

وفي الصلاة نسد الخلل ثورة على شيطان العنصرية، وفي الثورة التلاحم والحميمية والتضحية ترجمة عملية لهدم أصنام القبلية. وفي الصلاة برنامج ثوري إصلاحي، وفي الثورة برنامج تعبدي إصلاحي، فالمساجد ساحات ثورية، وميادين الثوار مساجد طاهرة. فالثوار هم المصلون، والمصلون هم أئمة ثائرون، وطوبى لمن صلى ثائراً وثار مصلياً. وكذلك سائر الشعائر الدينية من صيام وزكاة وحج وغيرها تتحلى في داخلها بهذه المعاني الحية التي تتفاعل مع الواقع.

بحث علي عزت بجوفيتش (1925 – 2003) عن المكونات الجوّانية للشعور الثوري وعلاقته وتقاطعاته بالشعور الديني، حيث أن مجموعة المشاعر الثورية مثل التضحية والتضامن والمصير المشترك التي تتخلل الفعل الثوري هي في طبيعتها مشاعر دينية، فكل مظاهر الدين تجدها محفزة لإيجاد علاقة حميمية بين الأفراد تسودها الأخوة والتضامن والتضحية. ويعتبر أن المجتمع الذي تسيطر عليه هذه المشاعر الثورية هو في حقيقته يعيش في حالة دينية.

وبالتالي فإن المجتمع الذي يعجز عن التدين يعجز أيضاً عن القيام بالثورة لغياب المحركات الداخلية لها. كما أجرى مقارنة بين الدين المجرد والإسلام، الدين الذي يأخذ موقفاً سلبياً من الاعتقاد الإنساني بتنظيم العالم الخارجي أو تغييره ويعتبرها خطيئة، باعتبار أن العالم الخارجي تهيمن عليه قوى الشر والشيطان، ولا سبيل لإصلاحه، مبلغ المتدين في هذا الدين المجرد هو ذاته وتجنب الزلات، فيقدم هذا الدين إجابة عن سؤال كيف تحيا في ذاتك وكيفية مواجهة هذه الذات استناداً إلى مقولة المسيح "مملكتي ليست في هذه العالم".

وعلى الجانب الآخر يقع الإسلام الذي يقف موقفاً إجابياً من التعامل مع الواقع، بل يدعو إلى العمل على تغييره، وبذلك يكون الإسلام قد قدم إجابة عن سؤال كيف تعيش في العالم مع الآخرين ويتعدى التمحور حول الذات. ويتضح ذلك عندما تجنب المسيح دخول القدس لأنها مدينة الفريسيين والدجالين والكفار وأصحاب الإيمان السطحي، في حين آثر محمد دخول مكة وكان الإسلام دائماً يبحث عن هذه المدن والأمصار حتى يفتحها ويصلح ما بداخلها. رحلة غار حراء وأسواق مكة جمعت بين الشحذ الروحي والتعامل مع الواقع بغية إصلاحة وبذلك استمد الإسلام سمته في التعامل مع الواقع والعمل على تغييره.

بجوفيتش مايز بين الدين المجرد  والإسلام الدين المطلق، وكذلك شريعتي مايز بين الدين الثوري أو دين التوحيد والآخر الدين التبريري أو دين الشرك.

وبذات النهج انطلق علي شريعتي (1933 – 1977) في البحث عن ماهية الدين الثوري أو دين التوحيد (الإسلام)، ذلك الدين الذي يغذي أتباعه ومعتنقيه برؤية نقدية حيال كل ما يحيط بهم من بيئة مادية ومعنوية، بل ويحثهم للسعي وراء ذلك دائماً وأبداً.

كما عبر عن الكشف عن سمات هذا الدين بالبحث في أثار الحركة الأولى لأنبياء التوحيد، حيث اعتبر تلك الحقبة هي الأصدق في نقل والكشف عن المعاني الداخلية للدين، فكانت حركة الأنبياء عبارة عن حالة رفض للوضع القائم وتمرد على كل جور وفساد، وأتى هذا المعنى مصاحباً للعبودية والخضوع لله وحده.

وأخذ من حركة موسى عليه السلام الذي كان ثائراً في وجه ثلاث أقطاب قارون الذي كان يمثل الرأسمالية، وبلعم بن باعورا ممثل لشخصية رجل الدين المنحرف، وأخيراً فرعون صاحب أبشع استغلال للنفوذ السياسي والسيادي. وعلى الجانب الآخر كشف علي شريعتي عن ماهية الدين التبريري أو دين الشرك الذي يقع في تضاد مع الدين الثوري أو التوحيدي، الذي يعمل على تبرير الوضع القائم عبر تحريف المعتقدات والمبادئ العقائدية، ويحاول بهذا إقناع الجماهير بأن وضعهم الراهن هو الأمثل ويجب أن يرضوا به لأنه مظهر لإرادة الله ويندرج هذا التبرير تحت المصير المحتوم الذي كتبه الله.

اتفق كل من بجوفيتش وشريعتي في تتبع ذات المنهج بتقسيم كل الدين إلى قسمين رئيسين، عند بجوفيتش تجده مايز بين الدين المجرد من ناحية والإسلام الدين المطلق من ناحية أخرى، وكذلك شريعتي مايز بين الدين الثوري أو دين التوحيد والآخر الدين التبريري أو دين الشرك. كما اتفقا على أن المحرك الداخلي لدين التوحيد – الدين الثوري (الإسلام) وهي عدم استثنائيتة للواقع وتعامله المباشر معه، بل حث معتنقيه على تغييره ما أمكن بعكس الدين المجرد أو التبريري (دين الشرك) الذي يسوغ لقبول الواقع ويجعل من ذلك حتمية إلهية يجب التسليم لها.

وتتسع المقارنة حتى تصل إلى الظلال التي تنعكس على المجتمع الذي يعتنق هذا الدين أو ذاك، حتى في الأنماط والمعالم الدينية توجد فوارق لها ظلال على المجتمع، فهنالك مقارنة بين الدور الوظيفي للكنسية والمسجد على سبيل المثال، أو بين الطبقات والفوارق التي أحدثها الدين المجرد كالرهبان والأكليروس وعامة الشعب، والتي لا تجد لها وجودا في دين الثوري أو الإسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.