شعار قسم مدونات

الحكومة المغربية بين قوة المال وقوة العدد

blogs- بنكيران

تعثر تشكيل الحكومة المغربية بين قوة المال وقوة العدد
في مقال نشره في جريدة "La Dépêche" المفكر والسياسي الاشتراكي عضو البرلمان الفرنسي المعروف جون جوريس في فاتح ماي 1895 بعنوان "القضية اليهودية في الجزائر" تناول فيه النفوذ القوي غير المباشر لليهود في دواليب السياسة في الجزائر وهي تحت الاستعمار الفرنسي، أشار إلى أن هذا النفوذ لا يُمارسه اليهود بقوة العدد بل بقوة المال. فهم يتحكمون في الصحافة والمؤسسات المالية، وعندما يفشلون في التأثير على الناخبين، لصناعة الإرادة الشعبية، فهم يؤثرون على المنتخبين. في الجزائر الفرنسية يملكون قوة مزدوجة تتمثل في قوة المال وقوة العدد.
 

وأنا أتابع ما يعيشه المغرب من تشنج سياسي وتراشق حزبي حول تعثر تشكيل الحكومة الثانية لحزب العدالة والتنمية التي لم تر النور بعد مُضي أزيد من شهرين ونصف على الانتخابات التشريعية، تذكرت التحليل العميق للسياسي الثائر جون جوريس، الذي اغتيل في باريس في يوليوز 1914، لسيطرة اليهود على السياسية الفرنسية في الوطن الأم وفي المستعمرات وكيف يوظفون المال والإعلام في رسم الخرائط السياسية وتشكيل التحالفات الحزبية وتوجيه الناخبين والمنتخبين على حد سواء لصناعة حكومات متحكم فيها عن بعد.
 

ماذا يعني تحكم الحزب الحاصل على 37 مقعدا في إيقاع المشاورات السياسية وتوجيهها بما يربك الحزب المتصدر للانتخابات الحاصل على 125 مقعدا؟

المناخ الحزبي المتوتر في المغرب اليوم يوفر قراءات كثيرة ومختلفة أصدقها عندي تلك التي تتناول موضوع تعثر تشكيل الحكومة من زاوية تجاذب السياسة والمال وتسقط هذا التجاذب على التشنج القوي خاصة بين حزب الحمامة الأكثر مالا والضعيف عددا وحزب العدالة والتنمية الأكثر عددا والأقل مالا.
 

بعيدا عن أسلوب المحاصصة وتقسيم الغنائم بين الأحزاب، يقتضي المنطق الديمقراطي ومصلحة الوطن واحترام إرادة الشعب وصون مصداقية الانتخابات التي لم يطعن فيها أحد لا من الداخل ولا من الخارج، أن تنظم الكتل الحزبية للأغلبية الحكومية التي يقودها الحزب المتصدر للنتائج على أساس الحيز الذي يملأه كل حزب في الخريطة السياسية الذي رسمتها الإرادة الشعبية في مراكز الاقتراع يوم السابع من أكتوبر.
 

لكن المناورات الحزبية على مدى شهرين ونصف كشفت ربما لأول مرة في التاريخ السياسي المغربي منذ الاستقلال أن الحكومات تُصنع ولا تُشكل، وأن الانتخابات التشريعية الرامية إلى تشكيل الأغلبية الحكومية مجرد ديكور في مسرح السياسة. وإلا ماذا يعني تحكم الحزب الحاصل على 37 مقعدا في إيقاع المشاورات السياسية وتوجيهها بما يربك الحزب المتصدر للانتخابات الحاصل على 125 مقعدا؟
 

فلو وضعت طنا من قوة العدد في كفة ومثقالاً من قوة والمال في كفة لرجحت كفة المال على كفة الإرادة الشعبية. فلماذا نحتكم لأصوات الشعب لتشكيل الحكومات إذن؟

يقودنا هذا السؤال إلى قراءة أزمة تعثر تشكيل الحكومة من زاوية الفرق بين قوة المال وقوة العدد من خلال المقارنة بين الرأسمال الرمزي للرجل الأول في الحزبين الأكثر حضورا في السجال السياسي حول المسؤولية في خلق هذه الأزمة. الرجل الأول في حزب الحمامة ملياردير، وهو ثاني أغنى رجل في المغرب عام 2016 بثروة قدرت بـ 1.39 مليار دولار. وهو مقرب من الملك، وعُين على رأس حزب الحمامة أياما معدودات بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الماضية خلفا لرئيس الحزب السيد صلاح الدين مزوار وزير الخارجية.
 

أما الرجل الأول في حزب العدالة والتنمية المتصدر لنتائج الانتخابات فرأسماله الرمزي المرجعية الإسلامية للحزب والمرتبة الأولى في الانتخابات. لو احتكمنا للإرادة الشعبية التي يعبر عنها عدد الأصوات في الانتخابات، فإن حزب الملياردير أقل ثلاث مرات من الحزب ذي التوجه الإسلامي.

بمقياس الإرادة الشعبية فإن الحزب الأول يعبر عن إرادة الشعب ثلاث أضعاف من حزب الملياردير، وهذا يضعنا أمام معادلة عجيبة على أساسها تتحرك خيوط لعبة المشاورات السياسية لصناعة الحكومة. المعادلة هي أن 37 مقعدا زائد مليار دولار أكبر من 125 مقعدا. فلو وضعت طنا من قوة العدد في كفة ومثقالاً من قوة والمال في كفة لرجحت كفة المال على كفة الإرادة الشعبية. فلماذا نحتكم لأصوات الشعب لتشكيل الحكومات إذن؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.