شعار قسم مدونات

بين حياتين – مشهد

blogs - women reads
باشّة بوجهها الذي يزينه نمش خفيف، لقيتني في ذلك الصباح الصيفي على شاطئ المدينة الغريبة. كلانا كان غريبا، كانت هذه هي المرة الأولى التي ألقاها منذ سنوات تغيّرت فيها وتغيرت. عرفتها أثناء دراستي وتوطدت علاقتي بها، حتى أني حين تزوجت، تمنيت أن أخطبها لزوجي لئلا تفرقنا الأيام.
 

يبدو الخاطر غريب حقا، كيف فكرت فيه، لم أخبرها بالطبع به من قبل، ولا أخبرت زوجي، كانت تخشى تقدم عمرها بغير زواج، وترفض كل من يتقدم لها، بحثا عن ذلك المثقف الحالم الذي سيصحبها إلى متاحف الدنيا دون كلل، لم يكن زوجي بالطبع هو علاء الدين الذي تحلم به، لم نزر حتى متحف مدينتنا التي تزوجنا فيها إلى اليوم، لكن من قال إن المرأة حين تحلم بذلك تكون صادقة تماما! ربما هي لا تعرف كيف تدون حلمها بحياة واسعة فتزينها بزركشات أحلام المراهقة الأولى.
 

الآن، جاءت هي لتزور المتاحف وحدها دون زوجها، كانت قد تزوجت بالفعل قبل سنوات، لكن زواجها لم يدم، ضحكت وهي تحكي لي الخبر، قالت: قلت له إن صورته بعينين محمرتين في عقد الزواج فأل سيئ، لكنه كان يضحك ويقول إنه الصابون الذي أحرق عينيه، لماذا كان عليه أن يغسل وجهه بالصابون قبل أن يذهب للمصور.
 

ألم يكن الشاعر الإنجليزي والتر سكوت ينام يوما كاملا على ظهره تحت الشجرة، فإذا مل نومه على ظهره، نام على جنبه، ثم كان يأتيه الشِّعر كنسيم الشمال.

قالت "ليكن، لم أخسر كثيرا على أي حال، بل كسبت أني خرجت من بيت أهلي، تعرفين كم كانت الحياة معلقة حتى أخرج، "عندما تذهبين لبيت زوجك افعلي ما تحبين!" أخيرا خرجت، فرحت أمي وأبي بذلك، وفرحت أيضا لأنني أخيرا سأفعل ما أحب.. ثم.. لم أفعل ما أحب ولم يفعل هو ما أحب.. ولم أفعل أنا ما يحب.. وهكذا.."

انتهى لقاؤنا سريعا، كان عليّ أن آخذ ولدي من المدرسة، وكانت هي على موعد مع أحد الرسّامين في معرض لوحاته في الطرف الآخر من المدينة، لم أعرف من قبل أن لها اهتماما بالرسم، لكن لعله شغف البحث عن معنى.
 

فكرت وأنا في طريقي للمدرسة في حياتي أنا، تبدو رتيبة أمام حياتها السريعة الكثيفة المزدحمة، لا ولد يقيدها، ولا زوج يزعجها، ولا بيت سوى بيوت عديدة تغيرها بسرعة، كل شيء عندها قابل للتغيير بأسرع من تبدل الألوان في السماء.
 

أشفقت عليها إذ تذكرت مثلا قديما يقول إن الحجر المتحرك لا ينبت عليه العشب، ولذا فإن عليه أن يركن إلى حائط أو بستان لينبت، لا بأس بقليل من الفلسفة التي تداوي الجراح هنا حتى أسمع جرس المدرسة.
 

لماذا عليّ أن أكون مثلها إذا بهذا النشاط، ألم يكن الشاعر الإنجليزي والتر سكوت ينام يوما كاملا على ظهره تحت الشجرة، فإذا مل نومه على ظهره، نام على جنبه، ثم كان يأتيه الشِّعر كنسيم الشمال.
 

دق الجرس، وجاء الشِّعر كنسيم الشمال.. وعدت أبحث في دفتري عما بقي لي من أعمال خلال اليوم.

* * *
ملاحظة، أستعمل وصف مشهد، لوصف التدوينات التي ليست قصصا قصيرة في الحقيقة، أو هي تسمية اعتمدتها من سنوات التدوين الأولى لأخرج من عبء تقييد النصوص بقوانين القصة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.