شعار قسم مدونات

قصة نجاح في بيئة العمل السويدية

blogs- السويد

كانت أفكاري عن البلد الذي قدمت إليه قليلة ومشوشة تماماً، إلى أن انتهى بي المطاف في أحد مراكز اللجوء في شمال البلاد في عام 2015، بعيداً عن أقرب قرية مسافة ثلاثين كيلو متراً!، إذ البلد كبيرة للغاية، وليس بين أيدينا سوى معلومات عامة قليلة باللغة العربية، وبعض المقالات باللغة الإنكليزية، وكان من سوء الحظ عدم تردد الكثير من الناس لانشغالهم إلى مركز اللجوء الخاص بنا، إلا قلة من المتطوعين الذي كان لهم الدور الأكبر وحلقة وصل، لقرابة مئتي شخص بالثقافة الجديدة في السويد.
 

محاولة إنشاء شبكة علاقات جديدة، باللغة الإنكليزية، وقراءة حثيثة للمقالات وكل ما كتب، الذهاب للمدينة والمكتبات العامة والمشاركة بالنشاطات، كانت هامة للغاية بالنسبة لي، فمن أهم ما ينبغي على اللاجئ القيام به مشاركته بالأنشطة الاجتماعية، كنوادي التصوير، الجيم، مقاهي اللغة والفرق الموسيقية المنتشرة في كل مكان وغيرها، لاكتساب اللغة السويدية وفهم الثقافة، مع ملاحظة أن لدى شريحة كبيرة من القادمين للسويد ميل للتشاؤمية فيما يبدي السويديون حرصاً شديداً على عدم اقتراف ذلك!، لأنه حقيقة مدمر للغاية.
 

تبدي بيئة العمل السويدية الكثير من الانفتاح والتعاون والتشجيع والكرم، والأجور الجيدة.. هذا يدفع العامل بشكل حثيث وتعطيه بيئة اجتماعية حاضنة له حتى يتكلم ويبدع 

يقول أحد القادمين مؤخراً: من الصعوبة بمكان أني وجدت عملاً في السويد كمهندس معماري، ومن الصعوبة أن أجد غيره! وآخر: لابد أنك نسيت الكثير من الهندسة وهناك حالة من عدم التوافق في الخبرات بينك وبين ما تعمل! وثالث يصف قيادة السيارة: ستجد صعوبة أكبر في القيادة في المدينة، ربما هي أصعب بكثير مما تتخيل! وغيرها من الكلمات المحبطة التي لم يكن لي بد إلا أن أتقبلها كما هي، كاتماً بحر الأحزان في داخلي.
 

ثابرت في تدريبي المجاني كبائع -فأنا بائع ومهندس- في إحدى الشركات السويدية للألبسة لمدة طويلة قاربت الستة أشهر، بدوام ست ساعات لخمس أيام أسبوعياً، إلا أن البيروقراطية الكبيرة وتأخر الإقامات حال دون حصولي على عمل، فيما تميل مؤسسات القطاع العام إلى أخذ الفرصة متناسية العراقيل؛ أدى إلى حصولي على عمل جديد بتوفيق من الله كمهندس مساح في بلدية شمال البلاد، بعد سنة من قدومي البلاد، بحكم تخرجي من قبل في دراستي.
 

تبدي بيئة العمل السويدية -المحكومة بقوانين وأنظمة- الكثير من الانفتاح والتعاون والتشجيع والكرم، والأجور الجيدة، وتعيين مساعد في الفترة الأولى، وتساهم في الإشراك في السياسات، هذا يدفع العامل بشكل حثيث وتعطيه بيئة اجتماعية حاضنة له ولأفكاره حتى يتكلم ويبدع ويكون محل ثقة من مديره..

هذه البيئة جديرة بالدراسة المعمقة عنها، واستلهام تجربتها في فهم طبائع الأشخاص، وحلولها المبتكرة والبسيطة، مثل المايكرويف في غرف الموظفين المجهزة بكافة الأطباق والمستلزمات، وفرز النفايات، فترات "الفيكا" أو الاستراحات المتتالية، وتفهم شديد للظروف القاهرة والموافقات على الإجازات، والاهتمام بالمتقاعدين، انتفاء الواسطة والمحسوبية والفساد والعنصرية، واحترام الخصوصية، وغيرها الكثير مما يزرع الولاء في الموظف لما فيه خير شركته وتقدمها.
 

هل بإمكان الشركات العربية والعالمية استلهام التجربة والاقتداء بما هو نافع، وهل يستطيع اللاجئ الجديد اغتنام الفرصة التي حظي بها؟ هذا ما سيحدده كل منهم، لمستقبل مليء بالتحدي والطموح!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.