شعار قسم مدونات

الوجه الآخر للإسلام..

blog القرآن الكريم

تنتشر مع كل موجة إرهاب في الغرب موجة من الحملات التعريفية بالإسلام والمسلمين يقوم عليها شباب متحمّس لدينه مدافع عنه يحمل شعارات ناعمة كـ"الإسلام دين السلام" و"المسلم المسالم" و"اسألني عن الإسلام"… حملات عاطفية بمجملها تأتي كاستجابة ظرفية لدفع تهمة العنف عن الإسلام. لكن بالرغم من كثرتها وصدقها إلا أنها ماعادت تقنع أكثر من دائرة القائمين عليها نظراً لغزارة الدم المساح باسم الدين.

والغربي اليوم كما العربي لم يعد يصدّق أن الإسلام بصورته الحالية هو دين السلام، إذ كيف يصدّق ما تؤمن به أنت المسلم ذو الوجه الجميل أمامه وهو يرى المسلم الآخر قد قدم حياته تقربا وحياة غيره قربانا لله وبيده نص صريح يدلل عليه يأمره بذلك؟ وأي الوجهين أصدق؟ إذ لا يمكن لذات الدين أن يجمع نقيضين ويأمر بهما بذات الوقت!

 

يشترك السياسيون في الغرب والإسلاميون في الشرق بتجاهل دوافع الإرهاب وأسبابه

منذ خمس سنوات قدمت نصا تلفزيونيا للمخرج الفرنسي دوميان جيروم عن التعايش مع الآخر في الإسلام كان من المقرر تصويره وعرضه للجمهور الفرنسي آنذاك، إلا أن المخرج اعتذر عن استكماله بعد مدة من دراسة العمل قائلا لي حينها: قرأت القرآن ولم أتحمل لهجة الوعيد لي بالحجيم والحرق بالنيران فقط لكوني غير مسلم، لم أجد فيه روح التعايش التي أشرت إليها في دينكم!

 

اعتاد المسلم في الغرب وفي الشرق على تلقي نفس الاتهامات حول عنفية الإسلام وعلاقة العداء مع الآخر فاعتاد بدوره على تكرار نفس الردود عليها دون الوقوف على النصوص المتهمة خشية المساس بها لقدسيتها، فاكتفى بردها على أنها نصوص مجتزأة أخذت من سياقها واستدل على رحمانية الدين وعلاقة الود مع الأخر بنصوص أخرى، في انتقائية مماثلة لإنتقائية النصوص الأولى.

فالاستشهاد بنص كـ "لا إكراه في الدين" يرد عليه بأنه أيضا مقتطع من سياقه بل منسوخ عند بعض العلماء الأكابر كابن الجوزي وابن حزم والسكري ويسهل الاستدلال على ذلك بنصوص لاحقة أخرى ظاهرها التخيير بين لا إله إلا الله أو القتال. وبالتالي تكون آيات الرحمة عند ذو الوجه الآخر هي الاستثناء (إن لم تكن نسخت جميعها) والأصل عنده هو السيف إن قرأت سريعاً بدون تأويل كما قرأها دوميان.

 

يشترك السياسيون في الغرب والإسلاميون في الشرق بتجاهل دوافع الإرهاب وأسبابه، فالسياسي يعلم تماماً أن مخلفات استعماره ودعمه للمستبدين هو ما أنتج هذا الفكر المتطرف، والإسلامي يعلم تماما أن لهذا التطرف حاضنة دينية خصبة تشكل ثغرة مكشوفة يستغلها الأذكياء لصناعة صورة مشوهة عالميا عن الإسلام وتوجيه أصابع الإتهام له.

لعل ما يحدث في العالم من فوضى سياسية اليوم هو فرصة لبدء مرحلة جادة من المراجعات الجريئة للتراث

ولأنه من العبث أن نصدّق أن الهجمات الإرهابية في العالم تقوم بدوافع دينية، سيكون من العبث أيضا أن ننكر أن لها عباءة دينية تلبس على وجهين استغلها الإعلام الغربي ببراعة لتمرير أجنداته و تبريرها بحجة الحرب على الإرهاب أي الإسلام.

 

حين نزل القرآن الكريم في صحراء العرب نزل حيويا متفاعلا مع الحياة وقتذاك، فكان بمثابة قانون إسعافي لمجتمع بدوي مشبع بالفوضى القبلية والغرائزية، وفهم نصوصه ضمن سياق تنزيله مقدم على محاولة تكييفه مع الواقع اليوم، وقراءته كأنه يتنزل في القرن السادس أكثر قبولا من قراءته وكأنه يتنزل في القرن الحادي والعشرين.

ولعل ما يحدث في العالم من فوضى سياسية اليوم هو فرصة أيضا لبدء مرحلة جادة من المراجعات الجريئة للتراث الإسلامي وتنقيحه مما يصطدم مع العقل والمنطق والواقع بل ومع رسالة الإسلام ذاتها، وما بين تأويله أو تجاوزه يحتاج ذلك جرأة من علماء وأئمة ومفكرين لا يخشون تدين العوام ولا سطوة الدعاة ولا إتهامات التغريب، مرحلة جديدة تفتح معها بابا للإجتهاد أغلق منذ قرون ليكون حقا دينا صالحا لكل زمان ومكان وذو وجه عالمي واحد يناسب الجميع ولا يخطئه أحد..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.