شعار قسم مدونات

ما السر النفسي لتفاعلك مع صورة وتجاهلك بقية المعاناة؟!

blogs إيلان
بالرغم من نشرات الأخبار التي نسمعها ونراها بشكل يومي فإن تعاملنا مع هذه الأخبار لا يعكس مدى دمارها ولا حجم خطرها، وكلما تكررت أصبح الأمر عاديًا أكثر فأكثر. وفجأة تجد أن صحف العالم وكل وسيلة إعلام صغيرة كانت أو كبيرة تتفاعل مع صورة طفل واحد شاء الله أن يوجد في ظروف معينة وبحالة ما أمام كاميرة أحدهم فتبدأ التعليقات والتغطيات ويبدأ معها الندب والشجب وتصرخ معها منظمات حقوق الإنسان تليها تلك التي تعنى بالأطفال.

   

هل تساءلت يومًا ما سر هذا التفاعل؟
كيف تم نسيان مئات الضحايا؟
لماذا كل هذا الصخب مع صورة ونسيان حرب ومأساة كاملة؟ 
 

كل هذه أسئلة تتكرر مع الحوادث الإنسانية كالتي عاشها عمران وإيلان ومن قبلهم محمد الدرة، والسؤال الأهم هل التفاعل أمر خاطئ؟ ولماذا يتم التفاعل بهذه الطريقة المتسارعة والمتسعة؟ 
 

تداول الناس لصورة والتعاطف معها وعدم اكتراثهم بكل الأخبار اليومية تصرف طبيعي فطري لا يلام عليه أحد ولا يقاس عليه مقدار إنسانية أحدهم، ومن الضروري أن نعلم أنه لا يشير إلى خلل في موازين العقل، ولا تستغرب إن أخبرتك بأن أغلب تصرفاتك وقراراتك التي تتخذها لا تعتمد على المنطق بالدرجة الأولى بل على المشاعر والظروف المحيطة بك وهذا لا يتعارض أبدا مع أن الإنسان كائن مفكر ولكن هذه هي الحقيقة!
 

تداول الناس لصورة والتعاطف معها وعدم اكتراثهم بكل الأخبار اليومية تصرف طبيعي فطري لا يلام عليه أحد ولا يقاس عليه مقدار إنسانية أحدهم

تفسيرات عديدة قد توضح لنا السر وراء هذه الظواهر سأذكر بعضًا منها، فالسلوكيات الإنسانية أعقد من أن تفسر بسبب أو اثنين. 
 

مهما ذكرت للناس حقائق وأرقاما فلن يتأثروا بها إلا إن ارتبطت بمشاعر، فكما ذكرنا المشاعر هي من يحدد مسار العقل غالبًا. فلو حذرت الناس من السمنة وأنها سبب ٣٠ بالمئة من الوفيات فلن يهتم أحد لذلك، بينما في أحد المدن الشاطئية قل عدد مرتادي الشاطئ بسبب "فيلم" يحكي قصة قرش مفترس! ونسبة أن يفترسك قرش وأنت بقرب الشاطئ تكاد تكون منعدمة، لذلك تمثل القصص المرتبطة بالعواطف والمشاعر مادة دسمة للإعلام بكل وسائله. 
 

السبب الثاني هو القياس الشخصي، ولعلك لاحظت كيف بكت مذيعة على الهواء -وتم تداول مقطع بكائها أيضًا بكثرة- بعد أن قارنت حال الأطفال في مدينتها وهم يمرحون ويلعبون بحال عمران الذي تم قصف منزله! كشعورك بالألم عندما ترى شخصا تم جرحه أو تعرض لإصابة موجعة خلال منافسة رياضية، فأنت تقيس ذلك بطريقة لا شعورية على نفسك! 
 

كلما كان الحدث واضحًا مركزًا كان القياس أقوى، إذ إن أخبار الحروب المتكررة التي تحكي حال كثير من المتألمين يمكن التخلص من لعنتها النفسية بإيجاد مبررات لها مثل: هذا حال الحروب أو هكذا هي الدنيا، إلا أن الحالات الفردية كعمران تستغرق وقتًا أطول ثم تنتهي للمصير نفسه! هل تذكر محمد الدرة؟ هل ستتأثر بقصته الآن كأول مرة؟ 
  

أنهي بالسبب الأخير الذي يظهر مع كل حدث جماهيري ألا وهو التفاعل مع الحدث بسبب تفاعل عدد كبير من الناس معه! فالإنسان لا يحب أن يبقى مختلفًا بطبعه عن الجموع ولا أن يعتبر مختلفًا عنهم! 
  

التفاعل مع الأخبار التي تحرك المشاعر ضخم جدًّا ولكن لا تعول عليه كثيرا فسرعان ما ينتهي ولا يترك إلا أثرًا صغيرًا جدًّا مقارنة بصوته المرتفع والمزمجر. الاهتمام بصياغة الأخبار أو الرسالة وطريقة عرضها أهم من الخبر ذاته، فالنفس البشرية تميل للظاهر ولا يعنيها الباطن! إذ إن لفت الانتباه إلى الباطن بطريقة ذكية هو ميدان التنافس حقًّا!

  

الإعلام قوة وعرض فني له أدواته وليس حصة للرياضيات وعرض للإحصائيات، لذلك كن على يقين من أنه لا فائدة من شتم هذا العالم في كل مرة ترى فيها تفاعله مع صورة ونسيانه لمعاناة كاملة لم تعرض بالشكل الصحيح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.