شعار قسم مدونات

لعبة الأسوار .. أتتركها تنقضّ أم تقيمها يا جيلي؟

blogs - house

ستُمضي سنيناً وأنت تدرس، تبحث عن عمل، تتزوج (إن كتب لك الزّواج بمن ارتضاها قلبك وعقلك) وتبدأ مشروع بناء بيت كبير، هو بيت أحلامك أين تضع كلّ قطعة ديكور بغرفة لشساعة الملعب.

ستنجب خلال هذه الفترة أولاداً إن قدّر لك وتكبر ويكبرون معك ويكبر المنزل من أساس إلى طابق أرضي ثم طابق أول وآخر وآخر.. إلى أن تتمّ بناءه تماما، الرّزق على اللّه قد لا تتمّه حتّى تصير كهلاً أو مشارفاً على الشّيخوخة (كما يحدث للأغلبية).

لا أملك حلاّ حقيقة عدى الإنخراط في المنظومة الحكومية، وغرس الأرجل حدّ التجذّر في مناصب عليا بالبلاد بهذا ستنفرج الأزمة. 

حينها وبانتهاء البناء يكون كل واحد من أبنائك أو بناتك في شقّته أو يكون المسكين قد بدأ رحلة بناء منزل هو الآخر، ستبقى به أنت ورفيقتك المسكينة تستمتعان بصوت الصّدى عند مناداة أحدكما على الآخر، الصّدى الذي لم تجرّبا سماعه أثناء خرجاتكما الّتي لم تسنح لكما الفرصة للقيام بها إلى الجبال الكثيرة الّتي تحيط بالمدينة الإسمنتية الّتي تقيمان بها، تستمتعان بالسّهر في الليالي الصّيفية على سطحه، السّهر الذي لم تجرباه خارجه ولو في شوارع المدينة الإسمنتية، تطعمان قطّتكما، وتصغيان لصفير الكناري الذي لم تجرّبا سماع صوته النّاشئ في الطبيعة إذ كان حرّا.

هو حالنا في الجزائر على الأقل، فشقّة بسيطة قد تكلّف 80.000 دولار، ومنزل كبير نوعا ما يكلف 300.000 دولار ويتجاوز المبلغ الـ 500.000 دولار في الكثير من الأحيان، لا أدري إن كانت الأثمان معقولة في أوطان أخرى هجرتنا قبل أن نهجرها ولكن مع مقارنة بسيطة براتب موظّف حكومي ذو دخل متوسط معتبر، سيلزمه ادخار كل رواتبه دون إنفاق دولار واحد على مدى عشر سنوات لتوفير ثمن الشّقة، هذا إن كانت المعجزة ولم تلتهب أسعار العقار، والّتي ستتضاعف 3 مرات على الأقل على مدى عشر سنوات، الأمر يصل حد الجنون!

لا أملك حلاً حقيقة عدى الانخراط في المنظومة الحكومية، وغرس الأرجل حدّ التجذّر في مناصب عُليا بالبلاد بهذا ستنفرج الأزمة وسيصفق لك الجميع صدّقني ستمتلك عقارات ويُبارك لك علوّ الأسوار، فمجتمعي ينكر عليك بداية أيّ هفوات مبادئ ولن يغفر لك أي زلاّت، لكنّه ولكرم منه سيمنحك صكّ غفران بسيّئات غير محدودة ما إن تصل إلى مبتغاك وسيذيع نجاحك ويزفّه فرحاً، فرح معلّق بأمل أن تكون جسره المنجد نحو أسوار تماثل أسوارك أو تعلو بقليل فأنت بأناك الجديد لن ترضى بالفارق الكبير.

غالبيّة الكهول كانوا ضحيّة لعبة الأسوار، وغالبيّة الشباب لا يعون ثمن ولوجها على حساب حياتهم وأهدافهم.

هي لعبة الأسوار إذاً، الأمر ليس بتلك البساطة وليس بتلك السّذاجة الّتي قد يتصورها بعض من وفّقوا في حيازة بيت، الّلعبة صارت تشغل ذهن الصّغير قبل الكبير، صار عدد المهتمّين بها يفوق عدد المّهتمين بلعبة رئاسيات بلادي أو لعبة الدّمى المتحرّكة على مسارح ثكنات بلادي، لا أدري لم أجد هذه المقارنة بليغة ولكنّها تصور بطريقة أو بأخرى درجة استعباد العقول وتسيير شعب برمّته نحو المجهول، فهل تنقضّ الأسوار؟

نعم لربما كانت مشقّة العيش حلوة، والإقتطاع من الرّاتب باتّفاق الطّرفين حلواً، وصبر أحدكما على الآخر زاد كلّ شيء حلاوة ولكن، ولكن لا داعي لأن أتّم سأكون إيجابياً، ها قد أكملتم البيت مبارك عليكم!

لن ينال كلامي إعجاب الكثيرين، فغالبيّة الكهول كانوا ضحيّة لعبة الأسوار، وغالبيّة الشباب لا يعون ثمن ولوجها على حساب حياتهم وأهدافهم، ولكن عسى أن يدفع بجيلي نحو تفكير جادّ وأكثر عمقاً حول المعنى الفعليّ للـ"بيت" الذي يأوي "الأسرة" اللّذان لم تتح لي الفرصة لتكوينهما فلا الأموال تسمح ولا العمر حسب مجتمعي يسمح، عسى أن يحدث اللّه بعد كل هذا أمراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.