شعار قسم مدونات

سماتٌ داعشية

blogs - isis
إذا ما كنت من مستخدمي الشبكات الاجتماعية ومتصفحيها، لا بد أنك مررت يومًا ما –وما أكثرها- على منشور معلّق على حائط أحد من تتابعهم يدور فيه نقاش طويل حول موضوع ما، وفي الغالب سياسي أو شرعي، بدأ بسؤال ووصل لتكفير أو تخوين أو اقصاء وعلى الأرجح أنه سينتهي بتهديد بسفك الدماء!

هذه حالة أصبحت "طبيعية" اليوم في ظل "الانفتاح" التكنلوجي الذي ساهم في انتشار "المعرفة" والأفكار والآراء بشكل ملحوظ وبسرعة هائلة، وخلق لنا إمكانية انشاء المنصات المروّجة للأفكار وجعل لكل إنسان منا منبرًا يعبر فيه عمّا بداخله وينشر أفكاره ومعتقداته عبر الكلمة المكتوبة والمصورة ليجذب المتابعين ممن يشاركوه بعض أفكاره ومعتقداته.

التعبير حق للجميع طبعًا، ولا يمكن لأحد سلبه في ظل هذا الفضاء المكشوف الذي يمنحك حقك بالكلمة دون قيود.. لكن حقك ينتهي عند التعدي على حق غيرك بقول كلمته! استُخدمت الشبكات الاجتماعية في السنوات الأخيرة من قبل الأحزاب والحركات والتنظيمات، لجذب الناس إليهم وتسويق أفكارهم ونشر أعمالهم لتصل للجميع بعد التحول الكبير الذي نقل الخبر والمشاهد من الشاشة الكبيرة إلى الشاشة الصغيرة وجذب المزيد من المشاهدين والمتابعين في ظل هذا الفضاء المفتوح…

ربما نحتاج لدراسات تفكك العقلية "الداعشية" التي لا تقبل غيرها وتقصي كل من يخالفها.

وكانت "داعش" هي التنظيم "الرائد" في استخدام الشبكات الاجتماعية وتجنيد الآلاف من مستخدمي الانترنت لصالحها على أرض الواقع أو عبر المنصات الاجتماعية، عدا طبعًا عن مؤيدي التنظيم الذين جندوا أنفسهم بأنفسهم دونما أي طلب من أحد!

يستخدم أغلب من يؤيد تنظيم "داعش" الشبكات الاجتماعية لتسويق أفكار التنظيم، أو الدفاع عن جرائمه المقدسة –كما يرونها- ويقدموا التحليلات السياسية لكل الأحداث وفق نظرتهم الاقصائية التي لا تعترف إلا بهم وبمن يبايعهم!

ولعل أكبر المصائب "الداعشية" التي ابتلينا بها على الشبكات الاجتماعية هي "التكفير الالكتروني" للمخالف الذي ربما يصل لـ"هدر الدم إلكترونيًا"، والسبب طبعًا نقاش حول حدث غالبا سيكون في سورية وغالبا ما سيكون صاحب المنشور –الذي تم تكفيره بعد النقاش- من مناصري الثورة السورية بحجة أن "المرتد أولى من الكافر"!

مع كل حدث جديد، يتفاعل هؤلاء مع المنشورات ويحاولون ابراز رأيهم بقوة عبر هجوم تشعر أنه منظم أحيانا على أحد من مخالفيهم، والغريب أن أغلب تعليقاتهم تكون متشابهة وتراها هي نفسها في أماكن كثيرة في ظاهرة غريبة تؤكد المثل القائل "حافظ مش فاهم"!

إن "الداعشية" اليوم لا تقتصر على تنظيم داعش ومناصريه، فكم من دواعش يعيشون بيننا ويقصون الآخر ويخوّنوه دون الانتماء لها.

والأغرب من ذلك، أن قسمًا كبيرًا هؤلاء ممن ينتسبون لمدرسة "مجاهدي الديجيتال" هم شباب في مقتبل العمر، وعلى الأغلب لم ينهوا دراستهم الثانوية بعد والمشترك بين قسم كبير منهم أنهم لا يتابعون فصول اللغة العربية في مدرستهم، الأخطاء الإملائية والنحوية تغلب على تعليقاتهم التي تكفّر وتخوّن وتقصي من لم يبايع أميرهم!

والأمر طبعًا لا يقتصر على هذه الفئة، فقسم لا بأس به من مناصري التنظيم هم من أصحاب الشهادات والألقاب، وقسم منهم أيضًا من أبناء الحركات الإسلامية سابقًا، ولعل أسباب الانتماء للتنظيم كثيرة تحتاج لدراسات معمقة ولا يمكن تناولها في مقال أو مقالين!

وحتّى السمات "الداعشية" كثيرة جدًا، تحتاج أيضا لدراسات تفكك العقلية "الداعشية" التي لا تقبل غيرها وتقصي كل من يخالفها.. ولعل الملفت أن "الداعشية" اليوم لا تقتصر على تنظيم داعش ومناصريه، فكم من "دواعش" يعيشون بيننا ويقصون الآخر ويخوّنوه دون الانتماء لهذا التنظيم وربما يكونون من أعدائه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.