شعار قسم مدونات

جبراننا أقوى من جبرانكم

blog-باسيل
يصر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل على أن يحتل لبنان المراتب الأولى عالمياً في العنصرية. الاستطلاع الذي شمل نحو 80 دولة أظهر أن الهند هي أكثر دولة يتصف شعبها بالعنصرية، وحلت إيران في المرتبة الثانية بعد الهند وكذلك حلت نيجيريا في مركز متقدم مع فرنسا.
"أنا مع إقرار قانون منح المرأة الجنسية لأولادها لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين للحفاظ على أرضنا.. وأضاف مؤخراً : سنفرض على اللاجئين السوريين شراء موسم تفاح.."

إنه الخيال العجيب للوزير جبران باسيل كلما أراد أن يشد العصب المسيحي!

من دون أي مجاملة أو تحفظ نحن عنصريون بمعاملاتنا مع بعضنا البعض لأننا شعوب نتلقى جرعات كره الآخر وعدم الرغبة في المعيشة معه منذ الصغر.

العنصرية هي ظاهرة متفشية في العديد من دول العالم ، لكنها ليست شيئاً مجرداً يمكن قياسه بشكل دقيق. وحتى في استطلاعات الرأي يرفض الكثير من الناس الاعتراف بعنصريتهم، كما أن بعض الأشخاص لا يشعرون و ا يعترفون أنهم عنصريون..

هذه العنصرية نعيشها يوميا في تعاملنا مع بعضنا وبالأخص مع الطبقات الأقل منا مستوى. الحكومة تعامل الشعب بعنصرية، والشعب يعامل المستقدمين الأجانب بعنصرية، نحن نمارسها في حياتنا اليومية لأنها متغلغلة فينا، وبدون أي مجاملة أو تحفظ نحن عنصريون بمعاملاتنا مع بعضنا البعض لأننا شعوب نتلقى جرعات كره الآخر وعدم الرغبة في المعيشة معه منذ الصغر.

في الدول العربية الكثير من الأقليات الأثنية والدينية والعرقية وينظر لهم المجتمع كطابور خامس أو كأقليات يجب إبادتها. نحن لا نحترم هذه الأقليات وننظر لهم دائما بنظرة المشكك والعمالة للغرب ولا نربي أولادنا على محبة الآخر كمواطنين في البلد الذي نعيش فيه.

منذ يومين، شاهدت فيديو لطفل سوري يتعرض للضرب من مجموعة أطفال ويقال أن هذا الحدث كان أول أيام عيد الاضحى. هؤلاء جميعهم ضحايا العنصرية التي نتحمل تبعاتها وتبعات "جبراننا" . نتفق مع الوزير أن موضوع منح الجنسية لا يمكن ربطه بالعواطف وإنما بالجغرافيا والديموغرافيا ، لكن لا داعي أن يطرب الوزير آذاننا صبحاً وظهراً ومساءً بالعبارات العنصرية التي تهدد السلم الأهلي فهذا لا ينمّ عن حكمة ودبلوماسية!

وعلى رغم أن الإسلام حضّ على تحرير العبيد ووضعها ضمن التكفير عن السيئات، لكن الثقافة العربية العنصرية المتأصلة فينا، لم تبالِ كثيراً بتعاليم الإسلام هذه، وعلينا الاعتراف أن العرب كشعب اشتهر ومارس التجارة بالبشر براً وبحراً قبل الإسلام وبعد الإسلام.، وكما قال الامام علي بن أبي طالب فالإنسان إما أخ لك بالدين أو شبيه لك بالخلق وفي القرآن الكريم " إن إكرمكم عند الله أتقاكم" وفي الحديث الشريف : لا فرق بين عربي وأعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح .

إذن تكاد العنصرية أن تكون موجودة فينا جميعا" ولكن بدرجات متفاوتة. قد تكون مرتفعة وقد تكون في أدنى درجاتها وبأشكال مختلفة، فالوطن والحزب والعرق والجنس والقبيلة والنادي وغيرها هي مجالات لإظهار العنصرية الكامنة في داخلنا.

قرأت في الأمس كلاماً للأب جورج مسوح يقول " أنا مولود في لبنان من أب سوري وأم لبنانية ، أنا لبناني أكثر منك – متوجهاً إلى الوزير باسيل- يصلب المسيح ثانية على صليب العنصرية و الكراهية. ويضيف "تباً للزمن الذي أصبح فيه الحق منّة".

صديق سوري آخر، يعرف عن نفسه دائماً ملحوقاً بعبارة "لكن أمي لبنانية" خشية أن ينظر له بنظرات تعجب وكأن السوري قادم من كوكب آخر..

أما النزعة العنصرية تجاه السود، فما زالت غائرةً في الثقافة العربية والممارسات المجتمعية، والتي تنعكس في تدني مكانة السود في المجتمع العربي وفي الدولة، وفي قطاع الأعمال وحتى في فئة المثقفين والمبدعين.

وتزخر التقارير المقدّمة من الأمم المتحدة بأشكال التمييز العرقي والقومي والديني للدول العربية كلها، حيث لا يقتصر التمييز ضد الأجانب، وإنما ضدّ المواطنين أيضاً، ولا تجد الدول العربية إلا التبرير غير المقنع.

وعلى رغم من التداخل الجغرافي والحضاري والبشري بين العرب والأفارق، فإن ذلك لم يحل دون تجذر العنصرية العربية ضد الأفارق السود، لكن العبودية لا تقتصر على السود، فعلى إثر حروب الفتح العربية ، جرى استرقاق أبناء الأقوام الأخرى مثل الروم والفرس والبربر.

لعل من حسنات بريطانيا في منطقتنا تحريمها لتجارة الرقيق ومحاربتها، وعلينا أن نتذكر أن الرقّ ظلّ موجوداً في منطقتنا حتى نهاية الستينيات، على رغم تحريم الأمم المتحدة له منذ قيامها عام 1945.

هذه الممارسات المقيتة، على النخب السياسية والثقافية والحقوقية الاعتراف بها والتصدي لها قبل أن نطلب من مؤسسات الدولة سن القوانين التي تحد من هذه الآفة.

مناهضة السلوك العنصري تحتاج لقانون قوي وصارم وأجهزة حكومية متفهمة لكن ضعف دولنا العربية ساعد بقوة في تفشي العنصرية في السلوك اليومي لأفراد المجتمع.

في مصر يسخرون من السوداني – من دون تعميم طبعاً – وفي السودان من الإرتيري، وفي إريتريا من الصومالي وفي لبنان من السوري والفلسطيني كما عبر وزيرنا الفطحل !!
وفي المغرب العربي هناك عنصرية أهل المدن والسواحل تجاه سكان الداخل من بني وطنهم وجلدتهم .
في أوروبا اليوم تنمو الاحزاب العنصرية – اليمين المتطرف – كالبرق. من اليونان إلى السويد، تنظم المظاهرات فيحضرها عشرات الآلاف. تشارك في الانتخابات فتفوز بمقاعد في البرلمانات المحلية وحتى البرلمان الأوروبي .

الحال عندنا أسوأ مما هو عندهم. هم عنصريون لكن صرحاء ولديهم ما يخافون عليه من الأجانب الزاحفين على بلدانهم. نحن عنصريون ومنافقون ندّعي عكس ذلك ونتلطى وراء "الدين" او "مصلحة الوطن".

لسوء حظنا كبرنا في مجتمعات مصابة بالانفصام. تكره الآخر وتدّعي العكس. تحتقر الأسود والبوذي والهندوسي ولا تحترم من هو مختلف عنها. تجهل الآخر ولا تسعى للتعرف عليه. مجتمعاتنا في مقدمة مصدّري المهاجرين بكل أصنافهم، لكننا نضجر من رؤية "اللون الاسود"، يحمل نفس طموحنا وأحلامنا، يتجوّل في شوارع مدننا. نهين الغريب في مجتمعنا ثم نهاجر إلى أوروبا أو أمريكا فنبكي من العنصرية وكره الآخر لنا.

الوعي وحده غير كاف لمناهضة السلوك العنصري، فحتى المثقفين والمتعلمين يمارسون هذا السلوك دون وعي، مناهضة السلوك العنصري تحتاج لقانون قوي وصارم وأجهزة حكومية متفهمة لكن ضعف دولنا العربية ساعد بقوة في تفشي العنصرية في السلوك اليومي لأفراد المجتمع .

علينا الاعتراف بوجود العنصرية، ثم البحث عن طريق آمن لمناهضتها .كلنا عنصريون.. بالفطرة ، لذا علينا أن نتصالح مع ذواتنا حتى نرى الواقع كما هو وليس كما نريد أو نرغب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.