شعار قسم مدونات

عشيرة آبل

blogs - iphone
لم أكن أتوقع أن تلقى تدوينتي على مدونات الجزيرة "الأندرويد ولا المذلة" هذا الجدل والنقاش. فقد تجاوز عدد قرائها حتى كتابة هذه الأسطر عشرين ألف قارئ، أما الجدل على صفحة مدونات الجزيرة على فيسبوك لم يتوقف حتى هذه اللحظة.

آلاف المشاركات والتعليقات والتفاعلات مع التدوينة لم تخل من الإعجاب والنقد والسخرية والشتائم.. فالمؤيدون على ما يبدو وجدوا في التدوينة ما يقوي من موقفهم في اختيار أجهزة الأندرويد وأنهم ليسوا أقل قيمة من جماعة آبل. أما النقاد لهم الاحترام، فقد أشاروا إلى ملاحظات ربما أتفق أو أختلف معهم فيها. وأخيراً، أصحاب السخرية والشتائم، سامحهم الله، فوصفوني بالمريض النفسي والغبي والأحمق دفاعاً عن عقيدتهم الآبلاوية (من آبل).

استطاعت شركة آبل أن تخلق ولاء عميقاً بين زبائنها وصل مرحلة الحزبية أو الطائفية، وقد يكون تجاوزها في بعض المرات

وبما أنني لم أكن "أنتوي" أن تفهم التدوينة على أنها إساءة لآبل، والمغفور له ستيف جوبز وخليفته تيم كوك، نويت أن أخصص هذه التدوينة للتعبير عن انبهاري وإعجابي الشديد بجوانب من العقيدة الآبلاوية وإن كنت سأحافظ على إيماني بالأندرويد حتى يرثه من سيكون أفضل منه.
 

لطالما أبهرتني شركة آبل بفخامة منتجاتها ابتداءً من التغليف والعلبة إلى المنتج نفسه. والانبهار هذا ينسحب على الماكبوك والآيفون والأكسسوارات. ويشمل إعجابي أيضاً الدقة والجمالية في التصاميم والقدرة الإبداعية في التسويق دون حملات إعلانية.
 

استطاعت شركة آبل أن تخلق ولاء عميقاً بين زبائنها وصل مرحلة الحزبية أو الطائفية، وقد يكون تجاوزها في بعض المرات. ولعل ما واجهته في تدوينتي السابقة من تعليقات هجومية شتائمية يدخل ضمن هذا السياق، حيث أصبح انتقاد آبل أو منتجاتها يعتبر إساءة للذات الآبلاوية. وهذا ينطبق على أرض الواقع خلال النقاشات مع أصدقائي وزملائي، لا بل حتى مع أهل بيتي.

وما يثير الاستغراب كيف يتسابق آل آبل إلى الدفاع عن أي هجوم يطال منتجات الشركة على قاعدة، أنصر آبل كانت ظالمة أم مظلومة، والأغرب كيف يبدعون في سوق التبريرات لكل اتهام يطال خطوات آبل، وآخرها مثلاً إلغاء مقبس السماعات من آيفون 7 وإصدار سماعات لاسلكية.
 

أصبح موعد إصدار آيفون حدثاً عالمياً منتظراً يتفوق أحياناً على مؤتمرات صحفية لسياسيين أو خطب لرجال دين. يلقى الحدث متابعة من أبناء العشيرة وخصومهم اللدودين وكذلك تغطية واسعة في وسائل الإعلام. تركز العدسات على الرئيس التنفيذي سواء كان جوبز أو كوك حالياً لنقل عبارات حفظناها عن ظهر قلب مثل المبهر، الأقوى، الثوري، المذهل وغيرها. ومع كل كلمة تزداد سرعة نبضات قلوب الآبلاويين وتنحبس أنفاسهم وغريزة الشراء الشهية تسيل لعابهم.

ينتقي المتحدثون في آبل مصطلحاتهم بعناية دقيقة وبالطبع يخضع ذلك لتدريب وتأهيل تشرف عليه شركات التسويق والعلاقات العامة. ولفتني جداً استخدام مصطلح "الشجاعة" للترويج لحذف مقبس السماعات من الطراز الآيفوني الأخير. عادة ما تخاطب مثل هذه الكلمات وجدان المتلقي وتترك آثارها في داخله.

وفي اليوميات، أعتقد أن كثيرين مثلي تطاردهم لصاقات شعار آبل "التفاحة المقضومة" على زجاج السيارات الخلفي أو أماكن أخرى وكأنها تعويذة سحرية أو عبارة دينية أو شعار حزبي.
 

يحرص الآبلاويون على إظهار التفاحة، علامة الولاء، سواء من خلال انتقاء الحافظات الشفافة أو تلك التي تتميز بفتحات على مقاس الشعار "المقدس". أما ستيف جوبز فقد تحول إلى أيقونة وخاصة صورته بالأبيض والأسود ملامساً بأطراف أصابعه شعيرات لحيته. وشكلت وفاته عام 2011 بعد معاناة مع المرض حدثاً فريداً كرّسه كشخصية مؤثرة، لا سيما لدى الشباب الذي صار يتناقل صوره ويقتبس أقوال له وأخرى منسوبة إليه.
 

تمكنت آبل من تحقيق ما عجزت عنه أحزاب عقائدية قومية وحركات دينية في منطقتنا

ورغم أن جوبز كان من أغنياء العالم وخلف ثروة تقدر بحوالي 14 مليار دولار، إلا أنه لم يسجل له أي نشاط خيري علني أو التبرع لأي جهة خلافاً لمؤسس مايكروسوفت بيل غيتس، ومؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ.
 

وإلى خليفته تيم كوك فهو ما زال يعيش على الإرث الكاريزمي لجوبز، ولم يثر اعترافه بميوله الجنسية المثلية سخطاً في الشارع العربي الذي يوصف بأنه محافظ في مثل هذه القضايا.
 

تمكنت آبل من تحقيق ما عجزت عنه أحزاب عقائدية قومية وحركات دينية في منطقتنا. تفوقت في سياساتها التسويقية وقدراتها على الإقناع وخلق الولاء والشعور بالنخبوية والإحساس بالانتماء وإن كان ذلك من جيوب المستخدمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.