شعار قسم مدونات

ناهض .. أغفلنا!

blogs - hatar
منذ أن اغتيل ناهض وأنا أتسمر مكاني كلما تذكرت تلك الدماء التي كان مضرجاً فيها .. ويفزعني حقاً صريخ الفتاة التي كانت تحاول إنقاذ ما تبقى من نفثات روحه، ويصيبني بالقشعريرة ذاك الفتى الذي خلع قميصه من هول الموقف علّه يوقف بحر الدماء ويقطع حبل الوجع الذي يملأ الصورة.

حقيقة ، لم أكن أنظر لما ترتديه الفتاة ولم يخطرلي أن افكر في هوية الشاب .. ولا حتى في المغدور!
ولكن ما يجعلني أقف جافلةً أمام صورة بلادي التي أراها من بعيد، أننا جميعاً في لحظة من اللحظات قد نصّبنا أنفسنا آلهة نعطي أنفسنا حق الحساب وسلّمنا أنفسنا مفاتيح الجنّة وأقفال النار، فبعضنا أدخله الجنة دون حساب، وآخر أدخله النار كأقل عقاب .. واشتد وطيس الحرب بيننا جميعاً ، ليس حول حال بلادنا وما ستؤول اليه بعد حادثة كتلك ، بل حول مصير المغدور عند ربّه ..

مع كل مصيبة تحلّ على وطننا ، ننسى تداعياتها وننسى وجعها وننسى رسائلاً تحملها .. ونهرع نحو كتب التفاسير ونحو الخرافات والأساطير ، لنبرر أفكارنا السوداوية

صمّت آذاننا عن نواقيس الخطر التي تحيط بنا منذ زمن ، ولكنها باتت تعلو بأصواتها مؤخراً حتى صارت أرقاً لنوم الغافلين، وكابوساً لمن كانوا بالسّلْم حالمين!
صار خلافنا .. مصيره، وإن لم يكن مصيره .. فمصير كل من جادل بقضيته !
كل مرة نقع في الفخ ذاته! كل مرة .. نعم كل مرة

مع كل مصيبة تحلّ على وطننا ، ننسى تداعياتها وننسى وجعها وننسى رسائلاً تحملها .. ونهرع نحو كتب التفاسير ونحو الخرافات والأساطير ، لنبرر أفكارنا السوداوية أو لنثبت للآخرين سوداويتهم ! ومصائب اوطاننا لا تأتي فرادى .. وثوراننا وفوراننا يلهياننا عن الكوارث المتتالية .. فتمر مرور الكرام على أمننا وسلامنا بينما ننشغل نحن بقرارات لم نُخلق لنتباحث او نعبث فيها أصلاً!

و من ثم ، نركض نحو حواسيبنا، ونكتب شعارات ، ومقالات ، وصور و مواصفات ، ونبدع بتسجيل الفيديوهات ، ونثير ضجّة حول أوهام لا تمتّ للقضية بصلة .. بل تمتّ للخلاف الذي نشب بيننا بسبب حدوث قضية استفزت ما بداخلنا من سواد وبياض مختلطيْن فصرنا لا نميز طيب مشاعرنا من خبيثها .. فطغى سوادها واكتست أرواحنا فيه.

من نحن لننصب أنفسنا آلهة ؟ من نحن لنقرر مصير الحي والميّت؟ نحن ابناء آدم .. نزلنا من أعالي جنة الله الى أرضه الواسعة منذ بداية الخلق، هل لنعيث بها فساداً أو لننصب أنفسنا آلهة على عروش ستزول حين ينفخ في الصور؟ أم هل لنعمّرها ولنسعى في مناكبها وندع كل الخلق لخالقها الواحد؟
مصير حتّر ليس من شأننا .. ومصير الأردن هو قضيتنا الآن!

يلزمنا الكثير من الوعي، ويلزمنا الكثير من الإيمان ، أي كانت عقائدنا ودياناتنا وأي كانت معتقداتنا .. لا زلنا بحاجة لواحد من ثلاثة خيارات:
الأول: أن نكبح جماح كلماتنا وألفاظنا التي تخرج منّا دون تفكير وتمحيص ومسؤولية
الثاني: أن نضع أنفسنا دوماً بين قول الخير و الصمت .. والصمت هنا فضيلة وليس رذيلة
الثالث: أن نأخذ كل ما حملت الواقعة من معطيات على محمل الجد ، ونفكر بالوطن وليس بكل فرد من أفراده على حده

و إنني لأعلم أن ثلاثتهم يتنافسون في الصعوبة في عقولنا الثائرة !

الوطن اليوم .. يحتاج أيدٍ وسواعد ثابتة وراسخة لا يحتاجها مرتجفة وخانعة او مترددة ، يحتاج عقول متفتحة ونيّرة ولا يحتاج أفكار متشددة او شديدة الانفتاح حد الضياع ، يحتاج اتزان ولا يستحمل ذرة من طيش او ضلال!

الوطن اليوم يحتاج وقفة رجال في صف واحد لا تعرّج فيه .. ولا يحتاج اي طرح جديد من طروحاتنا الدينية ولا حتى السياسية الفذّة والتي لن تقدّم من حاله او تؤخر .. بل إنها تعرقل مسيرتنا نحو إنتشاله من خطر محتّم.

الوطن اليوم هو نحن .. وليس هو او هي او انا او حتى انت .. بل نحن !
يحتاج صليبك وهلالي ، ويحتاج صلاتي وصلاتك ، وأجراس الكنائس وتكبيرات المساجد! وطننا هو ذلك كله .. وليس نصف وطن!.

الرب الذي أعطى والرب الذي أخذ .. هو ذاته الله الذي إنا له وانا اليه راجعون ، بهذا اليقين .. نحافظ على أرض العزم وأغنية الظبى .. فلا ينبَ سيف الأردن يوماً
فكفانا تأليهاً لذواتنا .. فنحن بحاجة ليد الله معنا كجماعة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.