شعار قسم مدونات

بأي حال عدت يا عيد

blog-أطفال الحرب

لا أدري إذا كان يحق لنا أن نفرح بقدوم العيد، وتوجد داخل كل واحد فينا غصة عميقة وذاكرة مملوءة بالحزن على حال أمتنا المثير للشفقة.

ها هو عيد الأضحى يعود من جديد، وحالنا يزداد سوء في كل عام يمضي، نريد أن نفرح ولكن هل يكون فرحنا حقيقيا؟ ونحن نسمع ونشاهد ما يتعرض له إخوة لنا في الدين والعروبة من قتل وتعذيب وتهجير، يصارعون الموت وحدهم، تطحنهم قوى الإستبداد في كل مكان .

إن مقولة قلوبنا معكم دون ردة فعل والإكتفاء بالمشاهدة تقتلهم أكثر من الصواريخ والأسلحة المدمرة.

كيف نفرح ونعايد من أعماقنا ونحن نعلم أن هناك أطفال ينتظرون موتهم في كل لحظة إما برصاصة غادرة، أو تحت أنقاض دمار أو ربما بغاز سام، في الوقت الذي يلعب أطفالنا بألعابهم في الحدائق ويعانقون الأخوال والأعمام، يلبسون الثوب الأبيض للذهاب مع آبائهم لصلاة العيد، وأطفالهم يلبسون الأبيض ليصلوا على آبائهم صلاة الجنازة، لأننا في عيدنا نذبح الأضاحي وفي عيدهم هم الأضاحي، في يوم العيد علينا أن نتذكر أن مدنا كاملة تعيش الحصار وتجبر على الصوم، في الوقت الذي ثلوت سماء مدننا بدخان الشواء وروائح أطيب المآكولات.

كيف لنا أن نفرح ويكاد لا يخلو بيت في وطننا العربي من الحزن على فقدان شبابنا وفرحنا وأمننا، فالآلام تعصرنا، والأحزان تعصف بنا، هل يحق لنا أن نظهر البهجة والسرور ودماء المسلمين والعرب تراق هنا وهناك؟

ولكي أكون صريحة مع نفسي،،فإنني لا أستطيع التعبير كما يجب، فعادتي كل ما أكتب موضوع عن حال أمتي يجعلني أرهق كثيرا كلما تخيلت مشاهد الدمار أمامي وكأنني لم أحمل قلما من قبل، ربما لأنني لا أريد أن أبخل على القضية التي أكتب فيها سطرا واحدا .

لا أريد أن أعكر صفو العيد على أحد، فلكم الحق جميعا بالفرح، لكن افرحوا بهدوء دون أن يصل ضجيج فرحتكم إلى من يعانون بصمت، أولئك الذين تتشابه عندهم الأيام في المرار، ينتظرون من يضمد جراحهم ومن يسمع صفير أمعاء أطفالهم الفارغة.

أكتب باسم كل عربي ومسلم إنسان يشعر بما يعانيه إخواننا في سوريا وفلسطين وغيرها من البلدان ممن يتعرضون للإبادة بكل أنواعها .

سئمنا حال الهوان التي نعيشها وعدم الإكثرات للغير وحب الذات والأنانية التي دمرتتا، إن مقولة قلوبنا معكم دون ردة فعل والإكتفاء بالمشاهدة تقتلهم أكثر من الصواريخ والأسلحة المدمرة.

وبالرغم من المآسي فليفرح كل مظلوم لأن العيد يمر عليه وهو لازال يناضل من أجل حريته ودينه وبلاده، إفرحوا وغيظوا أعداء الحياة والإنسانية بفرحكم حتى لا يفرحوا بأنهم جعلوكم تنكسرون وتحزنون في يوم مبارك شرعه لكم الله وفيه حكم كثيرة.

كل عام والابطال في أرض الملاحم منتصرون يقاتلون لدحر الظلم والدفاع عن الأوطان، مبارك لكم تضحياتكم ومواقفكم ضد الإستبداد والظلم، فنصركم عيدنا الحقيقي وفرحنا المؤكد، أما أطفالكم فهم أملنا في عيش الحياة التي نريدها يملئها السلم والحب والتعايش.

لا تشعلوا البخور ولا تفرحوا بمبالغة زائدة وإخوان لكم تتجافى جنوبهم عن المضاجع ألما من أوجاع الجوع والفقر

إلى كل أرملة فقدت زوجها، إلى كل طفل فقد أبويه، إلى كل شخص فقد موطنه، كل عام وأنتم بخير.. كل عام وأنتم رموز النضال والحياة والتفاؤل بأن العيد القادم سيكون موعدا للنصر.

ومهما حاولنا أن ندعي الفرح ونخرج من أحزاننا، فإن تلك المحاولات تفشل، لأن الفرح شعور داخلي ورغبة في صناعة القلب الذي ينشرح على كل ما حوله من مظاهر البهجة والمحبة والتسامح والصفاء الذي من الممكن أن يتلون العيد به، إلا أن ذلك القلب للأسف غارق في أوجاعه يعتقد أن الإحتفال بالعيد هو خيانة لأوجاع وطنه.

لذلك سنؤجل الفرح حتى إشعار آخر، إلى اليوم الذي نحمل فيه بشائر النصر، ونقترب فيه من تحرير أراضينا من الطغاة، في اليوم الذي نصبح فيه جسدا واحدا كما أرادنا الله أن نكون، نفرح لفرح بعضنا ونحزن لحزن بعضنا، لا تفرقنا سياسة ولا حدود ولا طائفة، حيث يكون عدونا واحد وهدفنا واحد.

إلى ذلك الحين لا تشعلوا البخور ولا تفرحوا بمبالغة زائدة وإخوان لكم تتجافى جنوبهم عن المضاجع ألما من أوجاع الجوع والفقر وروائح الموت التي تعم أرجاء وطننا العربي.

 وكل عام نتمنى أن نكون بخير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.