شعار قسم مدونات

لماذا لم أعد مقاوما؟

logs - hizb

"الشعب استيقظ يا عباس.. من شفتيك الناطقتين .."
"قومي..ثوري..راية عباس ارتفعي.."
"كلنا مقاومة مقاومة .."
 

أحن الى تلك الأيام التي كنا ننشد فيها الاناشيد الثورية لحزب الله وخاصة أثناء معركتنا مع العدو الإسرائيلي. لم أكن أشعر آنذاك بأن هناك فرقاً بين سنة و شيعة.. ولازلت أحتفظ بهذه الأناشيد منذ صغري وأعيد سماعها من حين إلى آخر. وأذكر ايضاً أن التزاوج بين السنة والشيعة في تلك الفترة لم يكن يصنف "بالكبيرة" كهذه الأيام..
 

بعض وجوه المشكلة التي تعاني منها الأمة العربية اليوم والتي تأخذ عناوين السنّة والشيعة ليست وليدة تعدد الآراء والمذاهب، وإنما هي ناشئة من الخلافات السياسية.

أحن أيضاً الى مهرجانات المقاومة التي كنت أحرص على المشاركة فيها وذلك في معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت وكنت من أشد المدافعين عن الوحدة الإسلامية.
 

لا تنشأ الصراعات والنزاعات الدائمة بسبب وجود الاختلاف والتنوع، وإنما تنشأ من العجز عن إقامة نسق مشترك يجمع الناس ضمن دوائر ارتضوها.

والحوار بين الثقافات الإسلامية على اختلافها، يفتح آفاق التعاون، ويبلور أطر التضامن، ويدخل الجميع في قافلة الدفاع عن الوطن والكرامة ومواجهة التحديات.
 

ليس في القرآن الكريم سنة ولا شيعة، قال الله تعالى (وأمرت أن أكون من المسلمين). وفي عهد الرسول كان الصحابة يحملون اسم (المسلمين) فقط لا غير، و كما جاء في القرآن الكريم (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين..).
 

ولم تكن السياسة في بعض مراحل التاريخ بعيدة عن تغذية الصراع بين أتباع تلك المدارس من خلال تبني الحاكم لمذهب دون آخر. فبعض وجوه المشكلة التي تعاني منها الأمة العربية اليوم والتي تأخذ عناوين السنّة والشيعة ليست وليدة تعدد الآراء والمذاهب، وإنما هي ناشئة من الخلافات السياسية.

وهذه الخلافات هي التي ساهمت في انتشار ظاهرة التّعصّب لتلك الآراء والاجتهادات وزعم دعاة كل مذهب أن مذهبهم يمتلك الحقيقة الشرعية والإسلامية والفقهية وحده، فعلى سبيل المثال لا الحصر، حزب الله موجود اليوم في سوريا للقتال في سبيل الله كما يقولون، ويرددون قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار والجهات الأخرى أيضاً يرددون الكلام نفسه كل جهة تعتبر شهداءها في سبيل الله.
 

أذكر قبل الانسحاب الاسرائيلي من لبنان عام 2000 كيف كنا نبذل ما بوسعنا لتأمين المساعدات المادية واللوجستية لحزب الله لدعمه وصموده في معركته ضد إسرائيل. كما حصل هذا في حرب تموز 2006 وفتحت معظم المدارس في بيروت وخارجها للنازحين من الجنوب اللبناني. وقت ذاك كانت اللُّحمة الوطنية والإسلامية تحت الاختبار.
 

المشكلة برأيي ليست دينية بل سياسية بامتياز، لذلك فهي تتطلب نضالاً سياسياً واعياً للوصول الى دولة يحترم فيها الإنسان بغض النظر عن طائفته ودينه وجنسه بدلاً من إضاعة الوقت في خطابات الوحدة والمجاملات التي ينتهي صداها بمجرد انتهاء المؤتمرات التي ألقيت فيها!
 

ولابد لي هنا من أن اذكر فتاوى أحد أكبر المراجع الشيعية الراحل السيد محمد حسين فضل الله والتي كانت تتناغم الى حد كبير مع علماء السنة أكثر من علماء الشيعة انفسهم أذكر منها فتوى لعن الصحابة وحرمة "التطبير" وتعذيب الذات في عاشوراء.
 

والحقُّ يُقال أن لكل فتنة طائفية أسباباً واضحة لاشتعالها، وقد تكون هذه الأسباب مجرد عود الثقاب الذي يشعل الفتيل، وأحياناً تكون مفتعلة لحاجة المفتعلين تغيير الظرف والجو السياسي وقلب الطاولة ، كما حدث في لبنان في 7 ايار 2008 عندما اجتاح حزب الله بيروت بسلاحه.
 

ولكن هناك أسباباً ثابتة تقف خلف الكثير من الفتن الطائفية ماضياً وحاضراً وربما مستقبلاً:

ارتباط المجتمعات سلبياً بالموروثات التاريخية، مما يجعلها حبيسة التاريخ ومرتهنة له. بل تحتكم إلى وقائع حدثت منذ قرون في خلافاتها الاجتماعية والسياسية القائمة.

والأسوء هو التناصر لتلك الوقائع وكأنه سيغير من حال الأمة، أو يغير ثوابت التاريخ كما يعتقد بها كل فريق! مثال على ذلك موضوع الإمامة والخلافة بين الشيعة والسنة.

احد رجال الدين "المنفتحين" قال لي يوماً لو خيروني بين أن انسى الماضي مقابل أن أعيش يوماً واحداً في المستقبل لاخترت المستقبل . فمشكلتنا في الوطن العربي هي الخلط في إدراك المفاهيم والخلط بين مفهومي الطائفية الطبيعية والطائفية الشاذة، أوبين مفهومي الطائفية كسياسة تُمارس والطائفية كحالة اجتماعية.
 

وبالإضافة إلى الأمراض الطائفية، نعاني أيضا من وجود أمراض نفسية وأخلاقية ناتجة عن طبيعة المنظومة الاجتماعية والسياسية في مجتمعاتنا العربية، كالحقد والعصبية بحيث يتناصر أهل كل طائفة ضد الطوائف الأخرى، وتحركهم تفاصيل صغيرة جداً كما حصل مع جاري الذي تشاجر على موقف سيارة أوصلته إلى "لاعن" و "ملعون"!
 

أشعر أن أيام الوحدة لن تعود إلا بضربة موجعة لا سمح الله .. قد تكون حرباً جديدة مع العدو الإسرائيلي ! عندئذ أعود مقاوماً..

وعندما أتحدث عن الطائفية لا بد لي من أن أمر على زعماء الطوائف وامراء الحرب في لبنان كما نسميهم ، والذين ينتهجون سياسة المصالح الضيقة، والتي أدت إلى هيمنة ديمقراطية المصالح الضيقة على ديمقراطية المصالح العامة. ومن ثم تستقوي هذه الجماعات بالهوية الطائفية على حساب الهويات الوطنية الجامعة. وهذه أصبحت ثقافة تربت عليها الأجيال!
 

أضف إلى ذلك بقاء المجتمع المدني في حالة من التأخر بسبب ضعف الإمكانيات المادية ما حال دون ضبطه للفساد المستشري في الدولة، وقد شجع ذلك أصحاب المصالح للسيطرة على "الكعكة" والحصول على المكاسب ، وفي مقدمها استخدام العصبيات الدينية.
 

كما أن شعور أهل بعض الطوائف والمذاهب، بوجود تاريخ من الظلم المتراكم على مجتمعاتهم، مثل ما حدث مع المسلمين في دول الاتحاد السوفياتي السابق، أو مع الأكراد والشيعة في العراق أيام حكم الرئيس صدام حسين…فيعملون لرد الاعتبار لأنفسهم فيصطدمون بغيرهم ويقعون فريسة العصبية.
 

أشعر أن أيام الوحدة لن تعود إلا بضربة موجعة لا سمح الله .. قد تكون حرباً جديدة مع العدو الإسرائيلي ! عندئذ أعود مقاوماً..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.