شعار قسم مدونات

زوجة الرئيس.. مُلهمة الجماهير

blogs-ميشيل اوباما
ممتلئة بكل الأحكام المسبقة عن عالم السلاطين والزعماء والرؤساء وعوائلهم وحواشيهم… رُحتُ أتابع السيدة الأولى لبلاد العم سام لثمانية أعوام متتالية بفتور.. ففي قرارة نفسي "كلهم مثل بعضهم"، وفي الواقع لم أكن أنوي أو أتعمد تتبع شخصيتها وأسلوبها كزوجة الرئيس.. لكن الأحداث التي تلت ترشح "دونالد ترامب" للرئاسة ومن ثم فوزه كانت هي ما دفعني لاهتمامي "وإعجابي" بها مؤخراً وبدون تأثيرات جانبية.

فرغم إقامتي بأمريكا منذ بضع سنوات إلا أني قليلا ما أعبأ بأخبار الرئيس باراك أوباما وزوجته وابنتيه ومن حولهم كما يفعل الإعلام ويدفع الأمريكيين إلى ذلك بشكل يوميّ، شأنهم كشأن اهتمامهم بالمشاهير الأمريكيين من ممثلين ومغنيين وغيرهم. فلقد كانت وما زالت تستقطبني الأخبار المتعلقة بسياسات الرئيس وإدارته في بلاد العرب والتطورات فيها مثلي مثل كل الشرق أوسطيين، فنحن بعد لم يبلغ بنا الترف الاجتماعي والسياسي أن نهتم بشيء دون ما يتعلق ببعيد أو قريب "بلقمة العيش والكرامة والعدالة وكل مسمياتنا المغبّرة من طول الأمل".

في خطاباتها المتعددة استخدمت ميشيل الكلمات الارتجالية المتزنة ونجحت بالتأثير على الرأي العام وحتى بالتأثير السياسي، هي دائماً تعرف ما تقول، وتقول ما تثق بأنه سيكون مختلفاً

إنما كان لـ"ميشيل أوباما" وقع آخر.. وكان لخطاباتها تأثير مباشر على أفكاري.
هي إمرأة عصامية تماما كزوجها، فخورة بسواد بشرتها وبتاريخ عائلتها البسيطة، وبجدها الذي كان "عبداً" في حقبة خلت، عانت الكثير كي تصل إلى مراتب متقدمة في التعليم، وتعرضت كغيرها من السود إلى العنصرية وعدم القبول، لكنها ثابرت من أجل أن تصبح ما تريد، وتخرجت من جامعة برنستون ثم هارفارد في المحاماة وعملت طوال فترة دراستها على دعم وتمكين الأقليات وغير المحظوظين.

خلفيتها العملية تشي بحرصها على التميز والعمل العام وتمكين الشباب، فتاريخها الوظيفي يتدرج من المحاماة إلى وظائف حكومية ثم أكاديمية، ما يشير إلى شخصية مميزة واثقة لم تتمتع بالكثير من الدلال والرفاهية الاجتماعية، بل العمل والاجتهاد والمثابرة.

في خطاباتها المتعددة استخدمت ميشيل الكلمات الارتجالية المتزنة ونجحت بالتأثير على الرأي العام وحتى بالتأثير السياسي، هي دائماً تعرف ما تقول، وتقول ما تثق بأنه سيكون مختلفاً، والأمريكيون شعب يتوق إلى شخصيات ملهمة تقول له كيف يتوجب أن تكون عليه حياتهم.. وميشيل أوباما كانت بالفعل مؤثرة.

الأناقة غير المبتذلة، لغة الجسد، والكلام الأقرب إلى الشِعر منه إلى الكلام، الثقة بالنفس أمام جماهير عريضة من نساء ورجال يشدون لها الرحال ليسمعوا منها كلاما عن "الأمل" و"العمل"وأن "نكون جزءاً من القصة الأمريكية" وأن "نجعل من التعليم هدفاً للنهوض بالبلاد".. وهي صاحبة المقولة التي اشتعلت بها مواقع التواصل الاجتماعي في خطاباتها الترويجية لهيلاري وتقصد بها المرشح الجمهوري دونالد ترامب حيث قالت "عندما ينزلون إلى الدرك الأسفل نصعد نحن عالياً" في إشارة إلى عدم الاكتراث بخطابات الكراهية والعنصرية التي تمزق المجتمع الأمريكي.

عيناها الذكية أشعلت إلهام الملايين الذين رأوا فيها شخصية فاقت التوقعات، وقد عملت على أكثر القضايا حساسية في المجتمع الامريكي: تعزيز التعليم العالي وتشجيعه، مكافحة السمنة المتفشية بين الأطفال، والتواصل مع عوائل الجنود الأمريكيين، وغيرها من القضايا.

وفي مغادرتها البيت الأبيض لانتهاء فترة باراك أوباما الرئاسية تاركة خلفها شخصية لا تنسى، يقول ديويت جارنر في نيويرك تايمز في وداعها "لمن سيشتاق الأمريكيون أكثر لأوباما أم لميشيل؟ ستظل الأعين متتبعة لها أينما حلت". فيما تم تأليف كتاب حول تأثيرها الفعلي بعنوان "The Meaning of Michelle" يتحدث فيه ستة عشر كاتباً عن أيقونة السيدة الأولى وكيف ألهمت رحلتها على مسيرة حياتهم.

ولكنها بالفعل أثرت بالآلاف إن لم يكن الملايين من فئة الشباب الأمريكي بشخصيتها المتفردة والعفوية، بلغتها الانجليزية الواضحة، بعلاقتها المتميزة التي اعتبرت قصة حبّ غير عادية مع زوجها أوباما، بابنتيهما اللتان تحملان شخصية أبيهما وأمهما واللتان كبرتا داخل البيت الأبيض من طفلتين إلى يافعتين في ثمان سنوات متتتالية.

بنضالها الخفي ضد كونها مجرد "أول سيدة أولى من أصول أفريقية في البيت الأبيض"، فأثبتت ما يفوق ذلك، وكان واضحاً طريقة وداعها في الإعلام الأمريكي، وعلى ما يبدو أنها تكاد تسرق الأضواء من زوجها في أيامهم الأخيرة كعائلة رئاسية، ولم يبدُ أن ذلك يزعج أوباما بل يجعله فخوراً أكثر بها وبأدائها كسيدة أولى للبيت الأبيض فيما يشي بعلاقتهما التي لم يكن لها مثيل بين الرؤساء السابقون وزوجاتهم.

هي شخصية ملهمة بالعمل وليس فقط بالأمل الذي روجت له على بساطته طوال ثمان سنوات، عملت على القضايا المحلية دون أن تهتم كثيرا بما ستكسبه من جوائز عالمية

لقد تابعت خطاباتها بشغف، لاحقت في شيء من الإعجاب أنشطتها في ثمان سنوات، استقبال لفئات من الأمريكيين لم يكن متاحاً لهم دخول البيت الأبيض، أطفال وشيوخ ونساء وأمريكيون مميزين من خلفيات وأقليات مختلفة ومن أبناء المهاجرين الذين وجدوا طمأنينتهم في عهد أوباما.

هي لم تبدو في أي لحظة كإمرأة برجوازية كلاسيكية تقليدية متعالية على شعبها كمثل الصورة التي اعتدناها من زوجات الزعماء والرؤساء والسلاطين، بل تعمدت أن تظهر ببساطتها وروحها الاعتيادية بدون تكلف وشعور بالطبقية التي حصلت عليها من منصب زوجها.

هي شخصية ملهمة بالعمل وليس فقط بالأمل الذي روجت له على بساطته طوال ثمان سنوات، عملت على القضايا المحلية دون أن تهتم كثيرا بما ستكسبه من جوائز عالمية، عملت وأنجزت بالفعل وليس بمسميات ذات بُعد "مؤتمراتي" عالمي ولمكتسبات شخصية مادية، عملت وفي النهاية كسبت ما هو أكبر من الألقاب العالمية، كسبت بالفعل قلوب الناس.. هي نموذج ناجح ومبهر للسيدة الأولى الحقيقية.. تلك التي غادرت والدموع على مُقل كل من عمل معها حقيقية بدون أقنعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.