شعار قسم مدونات

الإرهابي

Mohamed Aboutrika of Egypt's Al-Ahli and Oupa Manyisa (R) of South Africa's Orlando Pirates fight for the ball during their African Champions League final soccer match at the Arab Contractors Stadium in Cairo November 10, 2013. Aboutrika underlined his status as the most successful player in African club competition over the last decade by scoring in a 2-0 final win over Orlando Pirates that clinched the African Champions League crown on Sunday.REUTERS/Amr Abdallah Dalsh (EGYPT - Tags: SPORT SOCCER)
(1)
مرة كل أسبوع، يهرب فيها المشجع من بيته ويركض نحو الملعب، ترفرف الرايات وتشتعل الألعاب النارية، وتدق الطبول رفقة أمطار من الشرائط وقصاصات الورق الملونة. تختفي المدينة ويُنسف الروتين، ولا يبقى سوى المعبد. وفـي هذا الحيز المقدس، تبدأ مباريات كرة القدم، ورغم أن المشجع بإمكانه الراحة والفرجة على شاشة التلفزيون، إلا أنه يفضل أن يحج إلى هذا المكان حيث يمكنه أن يرى ملائكته بشحمهم ولحمهم، إنهم اللاعبون الذين يحصلون على قطعة من قلب كل عاشق متيم بهذه المستديرة.
 

نادرا ما يقول المشجع، ليوم سيلعب النادي الخاص بي، إنما يقول دائما اليوم سنلعب نحن. هو اللاعب رقم 12 في الفريق، الشخص الأشبه بالراقص دون موسيقى، لأنه يشاطر النجوم كل شيء لكن دون أن يشاركهم الركض داخل المستطيل. وعندما تنتهي المباراة، يبدأ المشجع الاحتفال بفوزه، أو يبكي هزيمته، وفي كل الأحوال تذهب الشمس ويذهب المشجع، ويفرغ الاستاد من الحشود، ليبقى خاويا ويرجع المشجع كذلك إلى وحدته، إلى الأنا التي كانت نحن!
 

أبو تريكة نجم أسطوري لن يتكرر، يعشقه الجميع بصورة أقرب إلى التعصب، يحترمه حتى أنصار الفرق الأخرى، يجد الود والترحاب من جانب كافة العرب، تشعر وكأنه ملك في أي مكان يذهب إليه.

بهذه الكلمات الآسرة للعقول والخاطفة للقلوب، يصف إدواردو غاليانو أهمية "المشجع" في كرة القدم، حينما يتعملق ويتألق ويرسم بحروفه الساحرة القيمة غير المحدودة لكل عشاق ومجاذيب هذه الرياضة، التي لا تقل بأي حال من الأحوال عن بقية المجالات الحياتية الأخرى، بل تزيد لأنها تتعلق بالجماعة في المقام الأول، مجموعة تلعب كفريق بالداخل ومجموعة أخرى تشجع كعائلة بالخارج، لذلك احتلت الشعبية الأولى من الجميع، وصارت النقمة التي تتحول إلى نعمة في بعض الأحيان بالنسبة لمحترفي الديكتاتورية.

(2)
في مصر الأمر مختلف كثيرا، يكره القائمون على إدارة البلاد كرة القدم، يمنعون جمهورها من حضور المباريات، يقتلونهم إذا رفعوا أصواتهم وطالبوا بالحرية، ويضيقون على أي صوت مخالف مهما زاد أو انخفض صداه، لكن مع كل هذا الهوس والخوف والكراهية التي تصل إلى الاحتقار والدهس، فإنهم يستخدمون هذه اللعبة لخدمتهم في بعض الأمور، بمعنى أوضح توظيف الرياضة على طريقة "شوف العصفورة".
 

مع بداية بطولة أفريقيا، خرجت أوامر صريحة لأبواق النظام وموظفيه، تحدثوا عن الكأس وانشروا آرائهم الكروية، لدرجة أن أحدهم ذهب إلى أبعد من ذلك وقام بتحليل قمة مصر ومالي وكأنه غوارديولا عصره وزمانه، وربما هذه المباراة هي الأولى التي يشاهدها منذ ولادته، لكن حكم القوي على الكريه، من أجل محاولة خلق مناخ مغاير لحالة "النكد" المنتشرة في كافة أركان الشارع.
 

لكن الحديث عن البطولة أمر غير كاف، خصوصا مع زيادة الوعي والتوقع بأن الحالة الفنية لهذا المنتخب لن تساعده على الوصول بعيدا في النهائيات، لذلك جاء اللعب على الوتر الحساس، بفتح ملف الأسطورة تريكة مرة أخرى، وإعادته إلى دائرة الاتهامات المنقوصة، بوضع اسمه على قوائم الإرهاب في لقطة غير عقلانية بالمرة.

(3)
"صدر القرار بتاريخ 12 يناير لكن لم يتم إعلامنا، وفوجئنا بالخبر الرسمي من دون سابق إنذار"، هكذا جاء أول تعليق رسمي من محامي محمد أبو تريكة، أي أن قرار الإعلان جماهيريا وإعلاميا يعتبر مقصودا 100 % من جانب أصحابه. من الممكن القول بأن هذا الموعد خصيصا للتشويش على حكم المحكمة في جزيرتي تيران وصنافير، أو لمواصلة التنكيل بأمير القلوب، أو حتى لسبب آخر خاص بنظرية المؤامرة، لكن الشيء المؤكد بالنسبة لي استمرار حالة العداء الأقرب إلى "الفُجر" لكل ما يتعلق بجماهير كرة القدم. 
 

أبو تريكة نجم أسطوري لن يتكرر، يعشقه الجميع بصورة أقرب إلى التعصب، يحترمه حتى أنصار الفرق الأخرى، يجد الود والترحاب من جانب كافة العرب، تشعر وكأنه ملك في أي مكان يذهب إليه، كل هذه الصور جعلته حالة فريدة من نوعها، وكأنه رئيس جمهورية هذه اللعبة في مصر والشرق الأوسط، لذلك تربص به الآخرون بنفس الحجم، على قدر العشق تولد الكراهية.
 

يعرفون جيدا أن وقود هذه اللعبة "كرة القدم" جمهورها، يسمحون لجمال وعلاء بالذهاب إلى المدرج وتشجيع المنتخب، بينما يعتقلون سيد مشاغب ومصطفى طبلة ومشجعي الزمالك دون تهمة حقيقية.

(4)
يكره السلطويون فكرة تعلق الجموع بأي رمز، لم ينسوا أبدا ماذا حدث لهم في أيام يناير، عندما خرجت حشود "الأولتراس" في الصفوف الأولى تحمل رايات الحرية، ليتم الانتقام منهم بطريقة منهجية فيما بعد، إما بالقتل العمد أو بتسهيله في المدرج، مع حبس واعتقال البعض الآخر كلما أتت الفرصة، وأخيرا التفنن في التشهير بكبيرهم الذي علمهم السحر، الماجيكو، نظرا لأن كرة القدم أكبر عدو لهم، يخشون أبو تريكة وأمثاله أكثر من أي سياسي داخل وخارج البلد.
 

لن يتوقف الظلم عند هذا الحد، سيستمرون في ضغطهم على أبو تريكة، وسينتهزون كل فرصة للتقليل منه ومحاولة إخافته وإرهابه، وسيطلقون رجالهم لمهاجمته، ذلك لأنه رمز كروي غير قابل للتكرار أو الاستنساخ، قبل أن يكون شخص ناجح من خارج منظومتهم الفاسدة، إنهم يكرهون كل ما يمت بصلة لكرة القدم.
 

يعرفون جيدا أن وقود هذه اللعبة جمهورها، يسمحون لجمال وعلاء بالذهاب إلى المدرج وتشجيع المنتخب، بينما يعتقلون سيد مشاغب ومصطفى طبلة ومشجعي الزمالك دون تهمة حقيقية. يدفع ساحر الكرة المصرية ثمن عشق الجميع له، رمزية قصته الأقرب إلى روايات الأساطير، لذلك كلما أرادوا قياس مدى صحوة وانتفاضة هذا الشعب، كلما توحشوا في التنكيل بتريكة أكثر وأكثر، شيء أشبه ببالونة اختبار لتوقع حجم الغضب في القادم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.