شعار قسم مدونات

آخر أيام أوباما

blogs - obama

كان قدراً محمولاً على أجنحة الطائرة المتوجهة إلى شيكاغو، وكان كولومبوسي الداخلي، مستنفر في رحلته الأولى إلى بلاد، نسبوها للعم سام، وكانت ١٣ ساعة من الأسئلة حول هذا العالم الجديد، الذي لم أعرف منه إلا ما يعرفه العربي من خلال الأخبار وأفلام هوليوود.

 

كان استقبال موظفي الأمن ليس بالأنيق، بل أنني حظيت بقدر عالٍ من الاهتمام والأسئلة، وقد عزا المختصون ذلك لاحقاً لكونها أول مرة، وكونني زرت بلاداً كثيرة، قبل بلاد الحلم الأمريكي الجميل. وقد تشكل هذا الانطباع لدي مبكراً منذ لحظة التفتيش الأولى أمام باب الطائرة، حيث يحشر المسافرون ليخضعوا لتفتيش ثانٍ، في بروتوكول خاص بأمريكا فقط دون باقي الدول.

 

كانت شيكاغو، مدينة الريح، قد بدأت شتاءها مبكراً، وهو إن لم يكن ثلجياً، فبالتأكيد، ريحاً عاتية وبرداً يصل بك الى أدنى درجات الحرارة، لكن فضول الاستكشاف يرفع درجة حرارة تحفزك. ولمّا كان لوسط المدينة نصيب من جولتنا، تفاجأت بتمثال ينتصب شاهدا على مذبحة بحق الهنود الحمر وعلى بعد شارعين برج ترمب المعروف، باسمه الكبير المعلق على واجهته، في مخالفة واضحة لكل شروط البناء والإعلان، لكنه ترمب والمال. 

 

حدقت كثيرا من شباك الطائرة العائدة من ميامي، وانا أسأل القدر الذي حملني إلى هذه البلاد، لماذا اختار أن تكون في آخر أيام أوباما؟

كان لا يمكن أن لا ترى كل شيء بعيون من يهمك أمرهم، مسلمي أمريكا، وبخاصة الجالية الفلسطينية التي تنظم مؤتمرها السنوي الحاشد في شيكاغو، حيث التوجس من تسلم الرجل مهام منصبه الجديد، وعشوائيته في هجومه الشامل على كل ما لا يمثل الأبيض الامريكي التقليدي.

 

حملني القدر إلى سان فرانسسكو في عروض ثانيةٍ لفيلمي، ولما وصلت مدينة الانفتاح على كل متناقض، كان الامتعاض في وجوه موظفي شركة أبل العملاقة من الآسيويين بادياً بسبب انتخاب الرجل، وفي لوحات المشردين في شوارعها وفي جرافيتي المثليين المحتج على رفضهم من قبله، وهنا يلح داخلي عليّ "من انتخبه إذن؟!" 

 

وفي بروكلين، همس لي أحد الفلسطينيين النشطين في الجالية، أن الجالية اليهودية قد أجرت اتصالات مع رؤساء الجاليات المسلمة، كون ساكن البيت الأبيض الجديد، غير متوقع القرارات والنتائج، فهم يخشونه بنفس قدر الدعم الذي أعطوه إياه. في حين أبدى مجموعة كبيرة من المشاهير والعاملين في الإعلام عزمهم على تسجيل أنفسهم كمسلمين في الهوية إذا نفذ المُنتخَب وعيده بتسجيلهم حسب الديانة.

 

في حوار شيق على متن الباص المتوجه إلى واشنطن من نيويورك، لاحظَت تلك الأمريكية ابتسامتي التهكمية لما وصل لمسامعي حوارها مع شخص على نفس الباص، حيث كان ترمب هو المحور، ففاجأتني بسؤال؛ لم التبسم؟ هل أنت من مناصري ترمب؟ نظرت لوهلة في الزجاج لأتأكد من مظهري الذي لا يوحي بذلك، وعندما هممت أن أقص عليها قصص وصولي لأول مرة هنا، تداركت الأمر، وأخبرتها "أنني من مناصري ساندرز، ولكن لمّا استقام الأمر لهيلاري، اضطررنا أن نكون ديموقراطيين في وجه الجمهوريين"، فأجابتني أنها سلكت نفس الطريق، وما يعزينا أن ساندرز أصبح حالةً ملهمةً للتغير المرتقب بعد الرئيس المشؤوم.

 

تحسست جواز سفري، وأنا أهمس لداخلي، "ها أنت تناقش سياسة البلد الداخلية يا صاحب الفيزا"

 

كانت منصة التتويج تُنصب على قدم وساق أمام البيت الابيض ومقابل الكونجرس، وكان سُور البيت الابيض قابلا للقفز عنه ومحاطا في بعض مناطقه بسياجات شرطة مؤقتة، وفي بعض زواياه محتجون على مد خط الأنابيب العملاقة في مقبرة الهنود الحمر في داكوتا وآخرون يحتفلون بذكرى حرب بيرل هاربر الشهيرة، والكل ذو عين على يوم العشرين من الشهر القادم. 

 

قلت لصديقي قلقاً بعد عرض الفيلم في هارفارد، هل هناك مجال لإكمال باقي العروض؟ أم أن أيام ترمب قادمة، فأجابني مداعباً لا عليك، أوباما في ظهرك حتى الشهر القادم.  حدقت كثيرا من شباك الطائرة العائدة من ميامي، وانا أسأل القدر الذي حملني إلى هذه البلاد، لماذا اختار أن تكون في آخر أيام أوباما؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.