شعار قسم مدونات

الأرض بتتكلم عبري

blogs - Tzipi Livni

لم يدر في خلد الملحن والموسيقار المصري سيد مكاوي، أن رائعته "الأرض بتتكلم عربي" التي غناها في الستينات سينقلب عداد السنوات على معانيها، فالقدس العربية تُحث الخطى نحو تهويدها، والعرب الذين تغنوا بمعاداة "إسرائيل" ختموا السطر الأخير من مقطوعة العداء بعُربة عبرية..

 

فمع تتابع أخبار التطبيع المحموم مع دولة الاحتلال، التي لا تنشرها الصحف الرسمية، ولا تعقّب عليها الأنظمة، ويُنكرها كتّاب ومثقفي البلاط الملكي والأميري، يبدو أننا أمام حالة غير مسبوقة من التقارب مع "إسرائيل" بات من الصعب ترقيعها أو اخفاؤها، أو كما يقول المثل: فقد اتسع الخرق على الراقع.

 

وآخر تلك الفضائح تقول.. أن تسيبي ليفني، الوزيرة الإسرائيلية السابقة، التي اختارت أن تعلن الحرب على غزة عام 2008 من عاصمة عربية جارة، اسمها القاهرة، اضطرت لأن تلغي زيارة إلى العاصمة البلجيكية بروكسل كانت مقررة اليوم، بعد أن لاحقتها دعوات قضائية بارتكاب جرائم حرب أمام القضاء البلجيكي، وتعهّد على إثرها المدعي العام بإصدار مذكرة اعتقال بحقها بمجرد وصولها إلى البلاد.

 

ويا لمحاسن الصدف، فإن ليفني التي رُفع اسمها بأعجوبة من لوائح المؤتمر التي كانت تنوي حضوره في بروكسل، وتحجج مكتبها بالمرض لتغطية فضيحة انسحابها، توجهت بعد ساعات قليلة من الاعتذار إلى منتدى دافوس، والتقت هناك مع ثلاثة مسؤولين عرب وفلسطينيين، ونشرت صورة ودودة جمعتها مع الأمير السعودي تركي الفيصل!

 

المفارقة اليوم، أن "إسرائيل" التي تتجه نحو اليمين المتطرف بطريقة غير مسبوقة، باتت تربي أعداءً لها في كل أرجاء العالم ممن ضاقوا ذرعاً بسياساتها الخرقاء، وسئموا من تكرار الدفاع عنها وترقيع أخطائها، أما عربياً فيبدو الحال معكوساً بطريقة تثير الرثاء.

 

مع نهاية كل جولة تطبيعية، يعود عرّابو التطبيع إلى أوطانهم سالمين آمنين، لا تمسّهم مخابرات الدولة، ولا تنال منهم أقلام الصحف، في بلاد تجلد الناس إذا ارتكبوا وزر الدخول في علاقات غير شرعية

أما المفارقة الأكثر إيلاماً، أنه كلما ازدادت عزلة "إسرائيل" في العالم، وكلما انتزع النشطاء الداعمين لفلسطين انجازاً صغيراً مثل التلويح باعتقال مسؤول إسرائيلي، أو إلغاء زيارة أوروبية، كلما هبّ نشامى العرب للطبطبة على كتف هؤلاء المجرمين وتحسين صورتهم أمام العالم.

 

فقد صار مألوفاً في الدول التي احتضنت "إسرائيل" منذ نشأتها، أن نسمع عن وزيرة خارجية سويدية تُمنع من زيارة "إسرائيل"، ووزير بريطاني تُحاك المؤامرات في السفارة الإسرائيلية لإسقاطه من منصبه، ورؤساء أحزاب أوروبية تفبرك ضدهم فضائح مكذوبة لمعاقبتهم على انتقاد الاحتلال، وعشرات من الحملات الشرسة تشنّ على مسؤولين آخرين بدعوى معاداة السامية.. أما على الجانب الآخر من الأرض "اللي بتتكلم عربي"، فالمزيد من الغزل المتبادل، واللقاءات السرية والعلنية، والصور والابتسامات المبتذلة بين المسؤولين والمثقفين العرب والصهاينة.

 

وليس ببعيد منا صورة الرقص المهين في البحرين لرجال أعمال إسرائيليين، رددوا أغنيات تمسّ عروبة القدس المحتلة وإسلاميتها، وتمجّد الهكيل الصهيوني المزعوم مكان المسجد الأقصى، أو حتى صور الوفد المغربي الذي زار دولة الاحتلال، وأدى فروض الطاعة أمام حائط البراق الذي يعدّ رمزاً للهيمنة الاسرائيلية على المواقع الاسلامية في القدس.

 

ومع نهاية كل جولة تطبيعية مماثلة، يعود عرّابو التطبيع إلى أوطانهم سالمين آمنين، لا تمسّهم مخابرات الدولة، ولا تنال منهم أقلام الصحف، في بلاد تجلد الناس إذا ارتكبوا وزر الدخول في علاقات غير شرعية، لكنها لا تعاقب كبارها حين تُكشف علاقاتهم غير الشرعية مع كيان غير شرعي كـ"إسرائيل".

 

ويأتي من يقول بكل بساطة، أن هؤلاء المطبعين يعبّرون عن أنفسهم وليس عن أوطانهم، ويريدون لنا أن نصدّق أن عرّابي التطبيع ينعمون بكامل الحرية في التقارب مع دولة "عدو" في بلاد تعتقل مواطنيها على مجرد رأي سياسي. والحال أننا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن "إسرائيل" لم تعد عدواً للعرب، أو أن المطبّعين لم يخرجوا عن قرار الدولة بالتطبيع مع "إسرائيل" من تحت الطاولة، فاختاروا..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.