شعار قسم مدونات

لنتكلم بانفتاح عن صحتنا النفسية

blogs - drag
تشير الدراسات إلى أن نسبة الكآبة في العالم العربي تعد من بين النسب الأعلى في العالم، فإذا كان الإنسان الفقير في عالمنا يفتقد الاحتياجات الأولية في الحياة كالطعام الصحي أو السكن المقبول، فإن الغني يفتقد ممارسة دوره الاجتماعي والسياسي والشعور بقيمة وجوده في الحياة، فالمواطن العربي وخاصة في الدول العربية الأقل حظاً لا يملك طموحاً ولا هواية يمارسها بانتظام، ولا أحلام حتى في ظل واقع يوشي بعد جدوى الحلم لأن الأحلام لا تتحقق.

هذا كله ليس ترفاً أو ترفيهاً، وإنما حاجات أساسية للنفس البشرية ولتوازنها النفسي يفتقدها الفرد في مجتمعاتنا، بالإضافة إلى كل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الفرد للإحباط والكآبة في مجتمعاتنا ما زال نعت مجنون جزء من ثقافتنا، نطلقه على أي سلوك مضطرب يصدر عن شخص ما دون إلقاء أي بال إلى طبيعة سلوك الشخص وسببه وطريقة علاجه.

عالم الأمراض النفسية بحر واسع ليس له حدود إلا أننا ما زلنا ننكره وغالبيتنا ينكرالأمراض النفسية ويراها أسطورة، بل حتى أننا نصدق قصص الجن والماسونية أكثر منها.

قبل أسبوعين توفيت الممثلة الهوليوودية كيري فيشر.. الممثلة الأميركية لم تكن مجرد فنانة بل كانت ناشطة اجتماعية ونفسية تساعد الآخرين إنطلاقاً من معاناتها مع مرض الـbi polar أو ثنائي القطب.. محدودية التعاطف مع المرضى النفسيين تعزى إلى صعوبة إدراك أن المرض النفسي لا يختلف عن سائر الأمراض الجسمانية وأن له أصل عضوي وأن أسبابه خارجة عن إرادة المريض، فلا يزال هناك الكثير ممن يعتقدون أن المرض النفسي هو ضعف في الروح وسوء في الخُلُق، وأنه من نصيب الفقراء الجهلة أو الفاسدين المترفين، وأن على المصاب أن يبذل جهداً أكبر للتخلص من مشاعره وأفكاره المريضة.

القراءة عن الأمراض النفسية المختلفة ومقارنتها مع اضطراباتك وزيارة الطبيب لتشخيص المرض قد يكون باب جديد يفتح لك لترى الحياة بشكل لم تراه من قبل تماماً

والحقيقة أن المرض النفسي شائع بحيث تكاد لا تخلو أي عائلة ممتدة من مصاب بالمرض النفسي، فإن هذا المرض لا يفرق بين غني وفقير، متعلم وجاهل، قوي وضعيف متدين وغير متدين.. ما يسببه بعض الأشخاص من إزعاج لنا وجرح و أذية يكون أحياناً سببه مرض نفسي مزمن قد يكون حله جلسات نفسية أو حبة دواء إلا أن الشعور بالوصمة يؤدي بالمريض إلى عدم الاعتراف بمرضه وتأخره في طلب العلاج وقد يدفع بمحيطه الاجتماعي إلى الانفضاض من حوله.

علمتني أميركا أن المرض النفسي ليس بالضرورة اكتئاب وحزن بل قد يكون لحظات سعادة وفرح ورغبة بالمغامرة والجنون كلحظات ألمانيا أو النشوة التي تنتاب مريض ثنائي القطب لتأتي متبوعة بهبوط حاد في المزاج ينتهي باكتئاب و عزلة..

تعلمت في أميركا أن المرضى النفسيين بإمكانهم أن يكونوا أطباء وطيارين ومهندسين وكتاب وفنانين وحتى رؤساء جمهورية، فالأطباء شخصوا إصابة الرئيس المنتخب ترامب بالنرجسية المفرطة وهو مرض نفسي مزمن!

في بلادي المريض النفسي هو الذي يخلع ملابسه ويمشي في الشارع ليهرب منه الأطفال إلى الحارات الأخرى، فإذا قلت لأحدهم أنا مريض نفسي وأنت تكتب وتقرأ وتدرس وتتعلم بادروك بالضحك والسخرية والاستغراب.

كثيرة هي الأمراض النفسية التي تؤثر على السلوك الاجتماعي ولا تؤثر على قابلية العقل للتعلم والعمل والتطور ومجرد زيارة لطبيب نفسي قد تغير حياتك للأفضل وتساعدك على التخلص من عادات لم تكن تعرف أنها ناجمة عن حالة مرضية.

قبل أسابيع خلعت ناشطة سورية حجابها في بث مباشر على الفيسبوك، بسبب خلعها للحجاب وسلوكيات أخرى كانت قد صدرت عنها تم اتهامها بالجنون، أو المرض النفسي كما قال نشطاء يعرفونها على فيسبوك، المفاجأة هو أنها خرجت وقالت لهم نعم عندي مشاكل نفسية وآخذ مضادات للاكتئاب لهذا الأجل، هذه مشكلة أخرى فتشخيص الأمراض النفسية أمر دقيق بحتاج لمراقبة ومتابعة مستمرة وليس أي عارض نفسي يتم حله بمضادات اكتئاب ومنومات، بل هناك مشاكل نفسية مزمنة غير الاكتئاب ترافق المريض كل حياته دون أن يدري مصدر هذه الاضطرابات.

القراءة عن الأمراض النفسية المختلفة ومقارنتها مع اضطراباتك وزيارة الطبيب لتشخيص المرض قد يكون باب جديد يفتح لك لترى الحياة بشكل لم تراه من قبل تماماً.. التشخيص والدواء المناسب للمرض النفسي هو بمثابة علاج مريض عمى الألوان الذي يفتح عيونه بعد العلاج ليرى الدنيا بألوان جديدة لم يراها من قبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.