شعار قسم مدونات

القمّة دون تسلّق

blogs - success
قرأت نصّاً يقول لي "لن أسألك ماذا تريدين، لأنّك ستقولين حينها أريد السّعادة، أريد الصّحة والمال والجمال والنّجاح والأسرة والزّواج السّليم، وهذا ما يريده تقريباً جميع النّاس. بل سأسألك ما هي المعاناة التّي تحبّين أن تجتازيها؟"

صراحة، لم أفكّر بهذه الطّريقة من قبل رغم أنّني فعلاً أحاول تطبيقها وأؤمن بها.  كلّنا نريد حياة سعيدة ومريحة ومالاً يكفي ليدرس أولادنا في أفضل الجامعات وصحّة وجسداً رشيقاً ونجاحاً باهراً في أعمالنا باختلافها، ولكن هل الجميع مستعدّ للتّضحية والألم الذي سيرافق هذا النّجاح وهذه السّعادة؟ هل تتذكّرون فيلم السّعي نحو السّعادة لويل سميث؟ وقد كتبت في تدوينة سابقة تلخّص ألم النّجاح.

جميعنا نريد النّجاح في كلّ شيء، ولكنّ الكثير منّا يريد ذلك النّجاح على طبق من ذهب، يريد الوصول للقمّة دون مشقّة التّسلّق.

لمن يريد جسداً رشيقاً: هل تريد أن تلعب رياضة يوميّاً؟ أن تحسب السّعرات الحراريّة لكل ما يدخل فمك؟ أن تجوع ولا تأكل؟ أن يُقدّم لك صحناً من أطيب الطّعام وترفضه؟ أن تستيقظ فجراً لتركض؟

لمن يريد نجاحاً في عمله: هل أنت مستعدّ للتّضحية بأموالك التي تمتلكها؟ بالتّضحية بوقتك في أمر قد لا ينجح؟ هل أنت مستعدّ للعمل ٧ ساعات يوميّاً بعد ساعات دوام وظيفتك المملّة؟ هل أنت مستعدّ أن توقف علاقاتك الاجتماعية وتخصّص كامل وقت فراغك لمشروعك؟ أن تسهر؟ أن تُرهَق ولا تنام كفايتك كلّ يوم؟ أن تنام قلقاً؟ تتذّكر تلك الرّاحة عند وضع رأسك على المخدّة، هل أنت مستعدّ أن تتخلّى عنها دون أيّ ضمانات؟

لمن يريد زواجاً رائعاً: هل مستعدّ أنت أن تتحمّل زوجتك في كامل حالاتها العاطفيّة؟ تقلّباتها المزاجيّة؟ هل مستعدّة أنتِ أن تتحمّلي عصبيّته أحياناً؟ نقصاً في أمواله؟ سُمنة في جسده؟ هل مستعدّ كل طرف أن يحسن الاستماع للطّرف الآخر؟ أن يحرّر عقله من حبّ السّيطرة؟ أن يعترف بخطئه أحياناً؟ أن يعتذر؟
جميعنا نريد النّجاح في كلّ شيء، ولكنّ الكثير منّا يريد ذلك النّجاح على طبق من ذهب، يريد الوصول للقمّة دون مشقّة التّسلّق.

ستيف جوبز في إحدى مقابلاته قال إنّ عدم وجود منافس لويندوز وPC سيجعلنا نعيش في عصر الظّلمات. فهنا احتاج ستيف لتحديد مشكلة، احتاج أن يجد العقبة التي يريد أن يتخطّاها، فدرسها وفحصها وحضّر نفسه وصقل مهاراته وخاض غمار التّجربة، ولم يكن يحمل ضمانات أنّه قد يتفوّق على شركة لديها خبرة تفوق خبرته بعشرات السّنوات.

يقول الكاتب والباحث مارك ماينسون "كنت منذ طفولتي أحلم بأن أكون عازفاً. دائما ما كنت أتخيّل نفسي على المنصّة أعزف والجماهير تنادي اسمي وترشقني بالقُبلات. وكبرت وبدأت أدرس الموسيقى ثمّ اخترت تخصّصاً آخر ولا زال حلمي عن المنصّة. وتخرّجت وعملت بوظيفة ولا زال حلمي هو المنصّة. وبعد ١٥ عاماً جلست أفكّر لماذا لم أصل المنصّة بعد؟ فاكتشفت أنّني كنت مفتوناً بالحلم والسّعادة التي ستقدّمها لي أضواء الشّهرة ولكنّني لم أحاول الوصول أليها. لم أضحّي بمصروفي في سبيل شراء جيتارة، ولم أضحّي بوقتي لاحقاً في سبيل التّدرب عليها بعد عملي، ولم أضحّي حتّى في دراستي في سبيل تعلّمها. اكتشفت بعد هذه الأعوام أنّ من الجميل أن أكون عازفاً على المنصّة، ولكنّه ليس ذلك ما أريده حقّاً، فمن يريد أمراً ما، يمشي باتجاهه ويعمل لأجله. ومن حينها صرت أركّز في أمور أخرى وتركت للحلم تاريخه.."

قد يقول البعض أنّني مررت بكلّ أشكال العذاب ولم أنجح! ببساطة، هناك أمر خطأ قمت به، أو جهد احتاجه عملك ولم تصل إليه، أو أسلوب خاطىء اتبعته في دراسة مشروعك أو اختيارك شريك حياتك أو وجبة خاطئة اعتمدت عليها في تخفيض وزنك. الانطلاق صوب تحقيق هدف ما يجب أن يتمّ في وقت مدروس وبعد كتابة خطّة مفصّلة والأخذ بجميع الأسباب. فالكثير من الشّركات التي فشلت مثلاً أصبحت أسباب فشلها عنواناً يُدرّس في الجامعات.

إنّ المصاعب التي يمرّ بها الإنسان خلال التّحضير "لسعادته" ما هي إلا مهارات يجب أن يتقنها ليكون قادراً على الحفاظ على استمراريّة ذلك المشروع.

حتّى ندرك ما نحبّ حقّاً، علينا معرفة نوع العذاب الذي نريد أن نخوضه، فلا نجاح دون عذاب إلّا صدفة. وعندما ندرك العذاب الذي نبحث عنه يجب أن ندرسه جيّداً ونستعدّ لخوض معركته، فهذه أولى الخطوات نحو تحقيق "سعادتك". يُقال إنّ كلمة "عذاب" تختلف خفية خلف كلمة "شغف". ففي بعض الكتب المسيحيّة في القرن الثاني عشر تمّ استخدام كلمة "شغف Passion" أثناء وصفهم السّبب الذي صلب لأجله المسيح، أي تعذّب لغاية أكبر. (حسب ما يؤمنون به)

انظر لطفلك، عندما تسهر له، تتعب لأجله، تُرهق بحمله، تفعل كلّ ذلك بمتعة لأنّك تحبّ دورك كأب أو دوركِ كأم، تتعب لتراه شابّاً خلوقاً مثقّفاً. فماذا تحبّ أيضاً أن ترى بعد أعوام؟

إنّ المصاعب التي يمرّ بها الإنسان خلال التّحضير "لسعادته" ما هي إلا مهارات يجب أن يتقنها ليكون قادراً على الحفاظ على استمراريّة ذلك المشروع عندما تبدأ بوادر النّجاح بالظّهور، تلك الأزمات موجودة لصقل قدراتك وشخصيّتك وتجاربك. هناك من يستسلم سريعاً، وهناك من يصارع للنّفس الأخير، وإن فشل، يأخذ قسطاً من الرّاحة، يراجع حساباته، وينطلق بأسلوب جديد.

يجب أن نفرّق من الآن وصاعداً بين نجاحٍ "مرغوب" ونجاح "مُستحقّ".. فهذا شخصيّاً جعلني أقدّر أكثر روّاد الأعمال وأصحاب المشاريع المهنيّة أو الاجتماعيّة النّاجحة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.