شعار قسم مدونات

طعنوا المخرج

blogs محمد بايزيد

بينما يقف مخرج فيلم "لالا لاند" الأميركي على منصة الأوسكار لاستلام جائزته، وهو لم يتجاوز الثانية والثلاثين، تكريما لإبداعه في طرح قضية إعادة إحياء موسيقى الجاز التي بدأت بالأفول من خلال قصة رومانسية بين رجل وفتاة، يصارع مخرج سوري عربي في نفس سنوات الثلاثينيات طعنة قاتلة في إسطنبول بسبب طموح محلق في إنتاج فيلم يطرح قضية المعتقلين السوريين في نظام فقد كل الشرعيات، ولم يبق له إلا تنظيف آثار دمه من خلال تتبع النشطاء وتكسير أقلام الكتاب وفقء عيون رسامي الكاريكاتير.

 

في اللحظة التي اخترقت فيها تلك السكين صدرا عامرا بالأمل في إنتاج فيلم سينمائي يُشهد التاريخ على فظائع، ظهرت كثيرا على شاشات الأخبار، لكن حان لها أن تكون أيقونة في عمل سينمائي، كان الرجل يصارع أكثر من سكين في صدره. كان على مدى أعوام يصارع سكين التمويل المجحف في حق الأفكار الإبداعية، وكان يصارع سكينَ هوامش الحرية في إنتاج الفيلم في بلادنا العربية، وكان يصارع سكين الأولويات في ثورة ما زالت آفاق اكتمالها بعيدة.

 

كان الأولى بصانع الأفلام ذلك أن يرى حلمه شاشة تتوقد، ومنصة تُكرّم، وفيلما يُتداول، لا دما مسفوحا من زمرة نادرة يصارع به ما تبقى في صدره المطعون من حياة

كم يجب على صانع فيلم متوقد، في عالمنا العربي المشتعل، أن ينطفئ، ويرمي بكل ما يجول في صدره عند أول حاجز عسكري، وبرميل متفجر، وتصريح دخول، وحدود، ومطار؟ ألا تكفي كل محاولات الطعن في ذلك الأمل حتى تصل السكين المسنونة إلى الصدر النابض، وتنقض على حامل الحلم، فتنهيه جسدا وفكرة؟

 

لماذا يقضي ذلك المخرج صاحب الفكرة كل ذلك الوقت في مُحاولة إنتاج ترويج لعمل ضخم لعله يساعده في إيجاد التمويل لباقي العمل؟ وكأن الوقت ترف، وكأننا نملك منه ما يمكننا من إطلاق كل صرخاتنا تجاه ما يحاصرنا ويقتلنا، ثم لا نجده إلا عامل قتل وإنهاء، لننضم إلى طوابير من قتلى الحلم وشهداء الأمل.

 

لماذا ننتظر أن يقوم الآخرون بدورنا في الحديث عنا؟ ونحن نملك بين ظهرانينا نفوسا مستعدة أن تسير بكل يقين إلى حتفها، لتقول قصتنا وتروي حكايتنا وتخبر ما تبقى منا أننا ما زلنا هنا.  نفوسا مستعدة أن تذهب إلى آخر الدنيا، لتعرض فيلما يتحدث عن قصة مطوية يخشى من طواها أن تنشرها السينما على أوسع نطاق وبقاع.

 

لماذا نمسك السكين مع قاتل الربيع؟ فنفسح له الطريق، ونهيئ له المسارب، فينفذ منا إلينا، ويطعن كلنا ببعضنا. لماذا تنتظر تلك الرواية دار مطبوعات تخلق الحياة على الورق؟ وذلك الاختراع مختبرا يغدق على صاحبه أدوات الاكتمال؟ وذلك الفنان مسرحا يطلق به ذواته على الجمهور؟ 

 

كان الأولى بصانع الأفلام ذلك أن يرى حلمه شاشة تتوقد، ومنصة تُكرّم، وفيلما يُتداول، لا دما مسفوحا من زمرة نادرة يصارع به ما تبقى في صدره المطعون من حياة، ولا قضبان تهديد بسجن مدى الحياة، ولا سكينا تـشحذ لنصيح بعدها "لقد طعنوا المخرج".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.