شعار قسم مدونات

هزيمة "الزمالك" في موقعة الواحات!

blogs الشرطة المصرية

قبل أن يلفظ يوم الجمعة أنفاسه الأخيرة وعلى وقع الضربات المترنحة لفريق الزمالك الكروي الذي يكتفي بالمشاركة دون تحقيق أي نتائج، بدأت بعض الأخبار تنتشر على استحياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن مقتل ثلاثة ضباط شرطة مصريين في تبادل لإطلاق نار مع "إرهابيين" في الواحات غرب مصر وأن الشرطة تواجه الإرهابيين وتقوم بالقضاء عليهم!

 

استقبل المصريون الخبر بشيء من الرتابة أو لنقل الاعتياد خاصة مع انشغالهم بمباراة الزمالك والاتحاد السكندري مع انشغال الآخرين بمتابعة سباق ومهرجان الأسعار الذي تفوق على مهرجان النفاق للجميع في التوقيع على وثيقة السيسي (عشان يبينها).

 

فضلا عن أن هذه الأخبار أصبحت ضمن الوجبة الإخبارية التي يتلقاها المصري يوميا سواء مقتل ضباط أو مدنيين منذ انقلاب الثالث من يوليو منذ أربع سنوات! بعد قليل انتشرت أخبار أخرى عن أن العدد ليس ثلاثة وإنما هو ست أو سبع ضباط! بعد قليل بدأ العدد يتطور ويزداد بشكل درامي، صاروا ١٠ ضباط، الآن أصبحوا ١٥ ضابطا، بعد قليل العدد وصل إلى ١٥ ضابط و٥ مجندين، ثم ١٥ ضابطا و١٠ مجندين وضابط برتبة كبيرة!

 

يمكن أن تدرك أن أي عمليات عسكرية أو مداهمات شرطية مصورة ومذاعة على القنوات التابعة للنظام أو منشورة عبر لجانه الإلكترونية ما هي ألا أفلام ترويجية معدة لغرض تعبئة الجنود والضباط معنويا 
يمكن أن تدرك أن أي عمليات عسكرية أو مداهمات شرطية مصورة ومذاعة على القنوات التابعة للنظام أو منشورة عبر لجانه الإلكترونية ما هي ألا أفلام ترويجية معدة لغرض تعبئة الجنود والضباط معنويا 
 

وهكذا إلى أن تبارى الصحفيون والمواطنون في نشر ما يصلهم سواء من مصادر بالداخلية المصرية أو من خلال وسائل إعلام غربية كالحرة والبي بي سي حتى وصل العدد إلى ما يتجاوز الـ 50، بين ضابط ومجند بينهم عدد من أصحاب الرتب الكبيرة! كل هذا وسط غياب تام لوزارة الداخلية والحكومة والنظام حتى مرور ما يقارب الخمس ساعات على الحادث دون بيان يوضح ما يحدث في غرب مصر!

 

أخيرا صدر بيان هزيل من الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية لا يسمن ولا يغني من جوع مفاده كالعادة تبادل إطلاق نار بين أفراد الشرطة وعناصر إرهابية أسفر عن "استشهاد" بعض أفراد الشرطة ومقتل عدد من "العناصر" دون أن تذكر أي تفاصيل عن طبيعة الحادثة وتوقيتها وعدد الضحايا أو المصابين لدرجة أصابت حتى مؤيدينهم على الصفحة ففاضت تعليقاتهم الغاضبة سبا للداخلية والقائمين على الصفحة وترحما على أفراد الشرطة مضمنين تعليقاتهم أعداد الضحايا وأسماءهم التي عرفوها من خلال مواقع إخبارية أغلبها مواقع غربية ودولية!

 

وفي أثناء ذلك بدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تداول مقطع صوتي يظهر ما قيل إنه تسريب صوتي لاستغاثة ضابط شرطة ممن نجى من الهجوم المسلح يصرح فيه بأنه قد نجى من القوة كلها ٧ أفراد فقط وأنه قد قتل ١٤ ضابطا وأن معظم أفراد القوة مصابون إصابات خطيرة في أجزاء قاتلة من أجسادهم وأن هناك 3 قضوا تأثرا بإصاباتهم، وأضاف أن "المسلحين" يطاردونهم وأنهم قد نهبوا منهم كل أسلحتهم وذخيرتهم!

 

ومن المثير للانتباه ما ظهر من خلال "التسريب" على لسان الضابط المذعور يخالف ما زعمه بيان الداخلية حيث ذكر الضابط أنهم قريبين من وادي الحيتان في الكيلو ١٢٦ بخلاف تقرير الداخلية الذي زعم أن موقع الحادث في الكيلو ١٣٦ وهو ما يضيف غموضا أكثر وتساؤلا أكبر حول حقيقة بيانات الداخلية التي تصرح بها للجمهور!

 

لا تستغرب إن قابلك غدا تصريح يقول إن "العفاريت الشريرة" هي من قامت بهذا الهجوم على أفراد الشرطة في الواحات على غرار ما فعلت في مباراة الزمالك على حد تصريح الخلوق مرتضى منصور

بعد مرور أكثر من ٥ ساعات دون حتى بيان رسمي من قبل نظام السيسي وداخليته يشرح فيه ما حدث وما تعرض له هؤلاء الضباط القتلى بالعشرات في أكبر خسارة يتعرض لها هذا الجهاز منذ نشأته في منطقة الواحات، تستطع بعدها بكل بساطة أن تدرك أن أي عمليات عسكرية أو مداهمات شرطية مصورة ومذاعة على القنوات التابعة للنظام أو منشورة عبر لجانه الإلكترونية ما هي ألا أفلام ترويجية معدة وممنتجة مسبقا يتم إعدادها كالأفلام السينمائية سيئة السمعة والجودة لغرض تعبئة الجنود والضباط معنويا والحفاظ على قطيع المؤيدين داخل حظيرة الوهم والانتصارات الكرتونية فيما اسموه "الحرب على الإرهاب"!

 

في ظل هذا التعتيم ومحاولة التغطية بأي وسيلة على هذه المصيبة التي ألمت بأجهزة أمن وحماية النظام العسكري الحاكم وفي ظل هذه الأجواء التي يبحث فيها عوائل هؤلاء الضباط والجنود عن معلومة تطمئن قلوبهم الهلعة على أبنائهم هل يستطيع أي صحفي مستقل أن يخرج ليمارس مهام عمله ووظيفته وينتقل لموقع الحادث؟! طبعا إطلاقا.. فمصيره وقتها إما القتل أو الاعتقال والاختفاء القسري وربما قتله فيما بعد واتهامه أنه "إرهابي"!

 

هذا حدث بالفعل ويحدث وسيستمر لأننا نعيش في ظل دولة بوليسية تحت نظام عسكري أشبه بالاحتلال.. وربما أسوأ، بل هو أسوأ بالفعل! في ظل حكم عسكري لا يوجد إعلام حر.. لا توجد شفافية.. لا وجود لمؤسسات حقيقية تخدم المواطن أو الشعب بدلا من أن تخدم الحاكم وكلاب حراسته على حساب الوطن!

 

وبالتالي فهو من يملك بسلاحه نشر الرواية التي تداري فشله وخسائره دون أي مراجعة أو حساب.. وبالتالي تصبح تلك المعادلة أقصر الطرق لاستمرار دائرة الدم والفشل والخراب التي لن ينجو منها أحد.. وهذا هو عنوان وديدن الاستبداد الذي يقول كما رددها جدهم الطاغوت فرعون: "مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى".

وفي سياق ذلك فلا تستغرب إن قابلك غدا تصريح يقول إن "العفاريت الشريرة" هي من قامت بهذا الهجوم على أفراد الشرطة في الواحات على غرار ما فعلت في مباراة الزمالك على حد تصريح الخلوق مرتضى منصور أحد أهم ركائز دولة العسكر!

 

ما حدث بالواحات يجعلك تدرك الفرق بين فض اعتصام رابعة السلمي الذي قتل فيه المئات من المدنيين العزل من رافضي الانقلاب العسكري بدم بارد وبين محاولتهم لمواجهة مسلحين قادرين أن يوجعوه بهذا القدر
ما حدث بالواحات يجعلك تدرك الفرق بين فض اعتصام رابعة السلمي الذي قتل فيه المئات من المدنيين العزل من رافضي الانقلاب العسكري بدم بارد وبين محاولتهم لمواجهة مسلحين قادرين أن يوجعوه بهذا القدر
 

على الهامش:

بينما أنت في انتظار معرفة المزيد عن حقيقة ما جرى يمكنك بسهولة أن تدرك أن ما حدث في الواحات وما يحصل في سيناء وفي غيرها من الحوادث يظهر جليا الفرق بين أداء الشرطة والجيش لما يواجهون مسلحا حقيقيا قادرا على أن يقف قدامهم بسلاحه لآخر طلقة ولآخر نفس وبين أدائهم عندما يستعرضون قوتهم وسلاحهم على فتيات عزل!

 

أو عندما يعتقلون شبابا معارض لهم سياسيا ورافضا لجرائمهم فيعتقلوه بكل سهولة مع وابل من السب والإهانة ويقوموا بعدها بتعذيبه وإخفائه قسريا عن أهله وربما بعد ذلك يتم "اغتيال" بعضهم ويوضع بجانبه سلاح ويقومون بتصويره ثم يكتبون: "مقتل إرهابي في تبادل لإطلاق النار". ومن ثم ينشرونها عبر صفحة المتحدث العسكري أو صفحة الشرطة المصرية أو اليوم السابع حتى يرضوا أتباعهم ببعض الدماء البريئة التي أدمنوا إزهاقها!

 

ما حدث في الواحات يجعلك تدرك الفرق بين فض اعتصام رابعة السلمي الذي قتل فيه المئات من المدنيين العزل من رافضي الانقلاب العسكري بدم بارد وبين محاولتهم لمواجهة مسلحين قادرين أن يوجعوه بهذا القدر وأن يردوا الصاع صاعين! ولا زالت دائرة الدم تكبر ولا زالت لعنة الدم تسري!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.