شعار قسم مدونات

أوطان آسنة!

French President Emmanuel Macron (R) and Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi attend a press conference at the Elysee Palace in Paris on October 24, 2017. Sisi, a former general who ousted the elected Islamist president Mohamed Morsi in 2013, is meeting the French president, defence and foreign ministers as well as business groups during his three-day trip. / AFP PHOTO / POOL / PHILIPPE WOJAZER (Photo credit should read PHILIPPE WOJAZER/AFP/Getty Images)
من أبجديات الأعراف السياسية، ألا يظهر الزعيم ضعفه حتى لو كان كائناً من "سخام" أو مجرد حشوات "إسفنج" في بدلة رسمية، كما عليه أن يفتخر بوطنه ويعظّمه في عينيه وعيون الآخرين حتى لو كان وطنا من "قشّ" أو قصاصة من ورق. بمعنى آخر، إذا حملتك الظروف لتكون زعيماً، كن كذلك.. واجعل من كل زهرة أو صخرة أو غيمة أو عود قش على أرض وطنك زعيماً أيضاَ.. لا تظهر ضعفك أو تبدي فقرك أو تكشف عن عجزك وأنت في مقام الزعامة.. إذا وقفت أمام "طاولة المؤتمر الصحفي".. أبزر كل ما هو عظيم في وطنك أو قابل لأن يكون عظيماً في يوم ما، هكذا تُخدم الدول وهكذا تبنى قامات الاحترام.

عندما شاهدت الزعيم المصري في مؤتمره الصحفي الأخير مع الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"..حزنت كثيراً على مصر، حزنت على "أم طرحة وجلابية" كيف جعلوا منها أنموذجا قميئاً للتخلف والرجعية والتسول والإرهاب.. في مؤتمر (السيسي- كاميرون) تصرّف الزعيم المصري تماماً كمن ينزع الكمّ عن ذراع طفله المبتور الملتهب المتقيّح ليستعطف الآخر متسولاً عليه لا راغباً في علاجه.

عندما سمعت كل ما ذكره عبد الفتاح السيسي عن مصر تذكّرت مقالاً قديماً للكاتب عادل درويش قال فيه "ليت مصر تعود للوراء" يستذكر فيه الكاتب الزمن الجميل قبل سبعين سنة، حيث كانت بريطانيا العظمى مدانة لمصر بملايين الجنيهات، فالبنوك المصرية كانت تقرض المصانع الأوروبية والقطاعات الحكومية هناك ليشتروا القطن المصري وكان الجنيه المصري يساوي عام 1950 جنيه ونصف أسترليني ويعادل 4 دولارات أمريكية كذلك.

ليت مصر تعود إلى الوراء.. عندما كانت شعوب أوروبا تهاجر إلى مصر، ففي أحياء القاهرة عاش حلاّقون إيطاليون، وساسة خيل تشيكيون، وعمال مقاهٍ يونانيون

ليت مصر تعود للوراء، حيث كانت بنت النيل الدولة الرابعة في صناعة الأفلام بعد الأفلام الهندية والسوفيتية وهوليوود) وكانت القاهرة من أنظف مدن العالم حسب الإحصائيات التي وردت في ذلك التاريخ.. ليت مصر تعود إلى الوراء.. حيث القطن المصري طويل التيلة هو الأول في العالم.. ومصر العربية كانت الأولى في تصدير القطن إلى أوروبا وأمريكا وكندا، الآن مصر تستورد الملابس القطنية من الصين والهند، كانت مصر تصدر الأرز إلى دول أوروبا والوطن العربي، الآن لا يكفي ربع استهلاكها المحلي، كانت مصر تصدّر الغاز إلى الأردن والكيان الإسرائيلي، الآن مصر تستورده من "إسرائيل"..

ليت مصر تعود إلى الوراء.. عندما كانت شعوب أوروبا تهاجر إلى مصر، ففي أحياء القاهرة عاش حلاّقون إيطاليون، وساسة خيل تشيكيون، وعمال مقاهٍ يونانيون.. ليت مصر تعود إلى الوراء عندما بني أول مصنع حكومي للقطن عام 1816 وكان يصدر إنتاجه إلى العالم كله.

وبعد كل هذا، يقف الزعيم المصري عبد الفتاح السيسي.. ويقول محتداً في المؤتمر الصحفي المشترك، عندما سئل عن حقوق الإنسان: (ما بتسألنيش ليه عن حق الإنسان في مصر عن التعليم الجيد؟ ما عندناش تعليم جيد أنا بقلك! ما بتسألنيش ليه عن حق العلاج الجيد في مصر؟ ما عندناش علاج جيد في مصر.. ما بتكلمنيش عن حق التوظيف وحق التشغيل في مصر؟ ما عندناااش توظيف جيد في مصر.. نحن لسنا في أوروبا في تقدمها الفكري والثقافي والحضاري والإنساني.. نحن في منطقة أخرى) هذا المشهد بسوداويته، بسلبيته، بصورة الوطن البشع، قيل وأُدّي أمام زعيم فرنسا الذي كافح المصريون حتى يتخلّصون من استعمارها لينعموا بتعليم جيد وعلاج جيد وتشغيل جيد.

هكذا يصور بعض الزعماء العرب أوطانهم؛ بؤرا موبوءة، أوطانا آسنة، وشعوبا لم تنجح حتى في التطور "الداروني"، ولا يحكموننا إلا شفقة علينا.
أي تاريخ سيحتمل زيف أسمائهم بين أوراقه؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.