شعار قسم مدونات

الخروج من ميدان التحرير

blogs - revolution

ميدان التحرير في مصر كان مركزا لكل محاولات الانتفاضات الشعبية في مصر، وتجاوز من كونه ميدان وأصبح وكأن الوجود فيه ثورة متكاملة الأركان، وكان حلم جيل كامل بكل أطيافه الفكرية هو الوصول إلى الميدان والبقاء فيه وتحقيق الانتصار العظيم!

ولسبب ما دخل النظام في معركة ميدان التحرير واندفع ربما بوعي منه في تلك المعركة لإظهار حصاره للميدان وكأنه يدفع الناشطين والشعب إلى أن يعتبروا الميدان هو الثورة وأن الوجود فيه هو النصر وأنه يناضل من أجل منع الجماهير من الوصول إليه، وربما تصدير تلك الصورة للجماهير والناشطين جعلهم يصرون بشكل أكبر على الميدان والوجود فيه، وربما كان هذا واحد من أهداف النظام أيضا، حيث أن المسارات التي يحددها العدو يستطيع دائما السيطرة عليها مهما كان حجمها.

الدعوة لإعادة النزول للميادين دون عزل القوى المناوئة للشعب فهي دربا من الجنون أو الخيانة أو رومانسية الأحلام القديمة والحنين لحلم لم يتحق

ما يقرب من الخمسين عام؛ تعددت محاولات جيل الستينات والسبعينات احتلال الميدان ولأسباب متعددة لم ينجحوا في ذلك، ولسبب ما ورثت الأجيال التالية حلم ميدان التحرير وأصبح أيضا مركزا للانتصار على النظام، وتوضع رابعة تحت هذا التوجه، والحقيقة أن القدرة على احتلال الميدان التي حدثت في 28 يناير 2011 جاءت بعد إخراج القوى الأمنية من المعادلة أي بعد تغيير كبير للغاية عن كل المحاولات السابقة، ولكن الغريب أن الكثيرين يتجاوزون في حواراتهم ما حدث مع القوى الأمنية ويركزون بشدة على الميدان، وكأنه رغبة في إعادة حلم جيل الستينات والسبعنيات الذي لم يقدر له النجاح أبدا بالسيطرة على الميدان؛ وكأنه استمرار اعتبار أن الثورة هي ميدان التحرير أو رابعة وإخوتهما من الميادين. وكأنه يحمل رغبة أن ينسى الجميع ما حدث في 28 يناير.

وبالعودة إلى المرة الوحيدة التي نجح فيها نسبيا الشعب من احتلال الميدان وهي 28 يناير عندما استطاع الشعب عزل القوى الأمنية وامتلاك الشارع نسبيا، وقد ظهر ما يسمى الجيش المصري بوجه ما في هذه الأيام إلا أن الأيام أثبتت انه وجه تكتيكي يخفي تحته وجه 3 يوليو 2013 الحقيقي، فهذا اليوم يثبت أن القدرة على الوجود في الشارع تأتي بعد تأمينه من أعداء الشعب والثورة، ولذلك فإن الدعوة لإعادة النزول للميادين دون عزل القوى المناوئة للشعب فهي كما أعتقد دربا من الجنون أو الخيانة أو رومانسية الأحلام القديمة والحنين إلى حلم لم يتحقق عبر ما يزيد عن 50 عاما لا يريد حامليه الموت دون رؤيته.

إن الأحداث الكبيرة في الأعوام السابقة علمتنا ولا زالت تعلمنا المسارات الصحيحة التي ينبغي أن نعمل عليها، وأن تواجد الجماهير في الميادين ليس الخطوة الأولى، وأن أعداء الشعب يتواجدون في كل مكان بيننا، فعلى مدى الستين عام السابقة على وجه الخصوص استطاع النظام بناء قواعد له في كل طبقات وفئات المجتمع وأصبح هناك خطا فاصلا طوليا ليس مستقيما يفصل بين الجماهير المنتهكة وبين النظام وأذنابه.

وحتى تنجح الموجة التالية من الثورة ولا تكون مثل أخواتها السابقات فعلينا حصار كل أعداء الشعب خلف هذا الخط الطولي الذي يقطع كل شيء الشعب والمؤسسات وحتى الأرض إلى جزئين غير متساويين، وقد أوضحت التجارب خلال السنوات السبع السابقة من هم المعادين للجماهير والشعب ومن يجب حصاره قبل الموجة الثورية الجديدة.

الخروج من أسر الاحتشاد بالميدان أحد أهم الخطوات التي ينبغي فعلها قبل التخطيط لأي فعل ثوري
الخروج من أسر الاحتشاد بالميدان أحد أهم الخطوات التي ينبغي فعلها قبل التخطيط لأي فعل ثوري
 

ذلك لا يعنى عدم جدوى الاحتشاد في الميادين ولكنه يعني أن الاحتشاد في الميادين كحل وحيد وأولي أصبح جريمة في حق الشعب، وأن هناك الكثير من العمل يجب فعله قبل مرحلة الاحتشاد في الميادين.

إن الخروج من أسر الاحتشاد في الميدان أحد أهم الخطوات التي ينبغي فعلها قبل التخطيط لأي فعل ثوري جديد، ولا نحتاج لسرد حقائق، فقد عشناها جميعا رأي العين على مدى السنوات القليلة الماضية، وحتى يمكننا إنتاج موجة ثورية حقيقية فإن حصار القوى في الجانب الآخر من الخط الطولي والسيطرة على مراكز السلطة ينبغي أن تكون الهدف المركزي لكل من يفكر في الثورة وإنجاحها ويأتي بعد ذلك احتلال الميادين لإعلان الانتصار وليس لإعلان الثورة. 

وأخيرا؛ ففي الوضع المصري الحالي وبعد ما فهمناه؛ يكون الاحتشاد في الميادين دون حدوث ما ذكر بالأعلى هو محرقة للثوار والشعب، وإذا لم تحدث تلك المحرقة فهي رغبة من البعض في تمرير فعل ما ويريدون الجماهير لسبب ما في الصورة، فوجود حشد جماهيري في الميادين مع استمرار وجود القوى الأمنية أو العسكرية أو كلتيهما دون التعرض لتلك الجماهير؛ هي حلقة سنيمائية باهتة من إخراج النظام نفسه أو على أحسن تقدير من مخرج آخر فاشل من خارج النظام أو هكذا قد يبدو لنا أنه من خارجه. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.