شعار قسم مدونات

المصالحة وصفقة القرن "الوهم المُتبدد"

blogs المصالحة الفلسطينة

كافة وسائل الإعلام والكُتاب وقادة الرأي والمحللين للشؤون السياسية رفقة الشعوب التي تتأمل الخير، هؤلاء مجتمعين يتابعون عن كثب وترقب شديد ما الذي يكون من صفقة القرن القديمة الجديدة في ضوء المصالحة الفلسطينية.

ما هي صفقة القرن؟
مصطلح "صفقة القرن" تردد سابقاً عام 2006 عبر ما عُرف بـ"عرض أولمرت" أو "تفاهمات أولمرت وعباس"، وما تسرب حينها من أنها "اتفاقيات رفّ" تنتظر الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها آنذاك.

تجدد طرح هذه الصفقة خلال اللقاء الذي حدث في العقبة 2016 بين "نتنياهو وكيري والسيسي وعبد الله الثاني" هذا اللقاء ناقش أفكاراً جديدة للحل على أساس من يهودية الدولة وتبادل الأراضي، لكن الجميع أنكروا هذا الاجتماع عدا نتنياهو، بمعزل عن التفاصيل نستنتج أن صفقة القرن نموذج مطور لإحلال السلام على غرار (أوسلو، كامب ديفيد 2، خارطة الطريق، ودولة فلسطين 194) والتي باءت بالفشل الذريع.

لماذا كُتِبَ على صفقة القرن الفشل؟ 
تنقسم أسباب فشل صفقة القرن إلى أسباب ذاتية تتعلق بقادة الصفقة "ترمب والسيسي" وأزماتهم وجملة أخرى من الأسباب الموضوعية تتنبأ بفشل صفقة القرن على غرار مشاريع التسوية طيلة ثلاثون عاما مضت.

السياسة الإسرائيلية لا تتغير فتسعى دائما للمماطلة والتسويف وعقليتها واحدة لا يمكن أن تقبل النقاش وهي أنها
السياسة الإسرائيلية لا تتغير فتسعى دائما للمماطلة والتسويف وعقليتها واحدة لا يمكن أن تقبل النقاش وهي أنها "تتفاوض من أجل أن تتفاوض" لا من أجل الحل

الأسباب الذاتية:
* اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مصر والتي تمثل فزاعة حقيقية للنظام المصري الذي يحاول بكل السبل تأجيل أي استحقاق في ظل الأزمات الداخلية المتفاقمة.

* لدى الرئيس ترمب عامين لإتمام الصفقة فقد مضى عام على ولايته والعام الأخير في ولايته سيكون من أجل دعايته الانتخابية مجددا، منطقيا عامين مدة ليست كافية أذ صفقة أوسلو التي هي أصغر من صفقة القرن، وُضِعَ لها سقف زمني خمسة سنوات ثم سقطت، فهل عامين مدة كافية؟ ثم إن ماذا لو لم تتم إعادة انتخاب ترمب؟ الإجابة واضحة كل إدارة أمريكية تجلب مشاريع جديدة وعليه فإن صفقة القرن تبخرت، أضف لذلك أن ترمب لا يجمع السياسة الأمريكية كلها في اتجاهه وما تناقض تصريحاته مع تصريحات البنتاغون إلا دليل على ذلك.

* تباين المشهد السياسي داخل "إسرائيل" وكابوس الفضائح والتحقيقات التي تلاحق نتنياهو، ففي الأمس القريب سُجِن أولمرت وعند قدوم نتنياهو عدنا من جديد إلى الصفر، السياسة الإسرائيلية لا تتغير فتسعى دائما للمماطلة والتسويف وهذا ليس في صالح الصفقة.

الأسباب الموضوعية: 

ليس من مصلحة الولايات المتحدة إنهاء أي صراع، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط ذلك الصراع لإدارته

* المصالحة الفلسطينية هي بوابة الدخول لصفقة القرن، الغريب في هذه المصالحة تأجيل الحديث عن الرواتب والموظفين وهي ملفات بدورها قد تقلب الطاولة في غمضة عين، حتى اللحظة لم نتحدث عن الأمن وسلاح حماس وبقية الفصائل وهي بمثابة حقل ألغام قديمة صدئة، القضايا بداخله تنفجر فقط ﻷنها غير قابلة للتدوير أو حتى النقاش، أستشهد على ذلك بقول ناصر اللحام مسوق سياسات السلطة الفلسطينية حين سأله المذيع ماذا لو حاولت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة سحب سلاح المقاومة؟ ضحك ناصر اللحام دون أن يجيب، ضحكة مفادها أن المصالحة ستنتهي فورا، وسحب السلاح ديدن السلطة الأكيد عبر لسان كافة ممثليها.

* المقاومة والاحتلال عبر سيرة المفاوضات والعلاقات الفلسطينية "الإسرائيلية" لم يقدم الاحتلال أي رغيف خبز إلا بعد الاستسلام التام وهذا ما حدث مع منظمة التحرير إلى أن أعلنت نبذ العنف، فكيف سيكسر الحصار مع وجود قوة في غزة تشكل خطرا استراتيجيا على "دولة الاحتلال"؟

* السياسة الصهيونية عقليتها واحدة لا يمكن أن تقبل للنقاش وهي أنها "تتفاوض من أجل أن تتفاوض" لا من أجل الحل وما اغتيال رابين عام 1995 إلا دليلا على ذلك، زد لذلك التنازلات الخيالية التي قدمها الرئيس عباس لهم ومع ذلك رفضوها، فلماذا سيقبلون بصفقة القرن؟

* السياسة الأمريكية لم تعمل يوما على إنهاء أي صراع أو توتر فما بالك يا دام عزُكَ في أم القضايا التي أفرزت ما حولها من قضايا أخرى؟ السياسة الأمريكية نوجزها بعبارة قالها كيسنجر "ليس من مصلحة الولايات المتحدة إنهاء أي صراع، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط ذلك الصراع لإدارته".

* فوضى النظام العالمي والأقاليم التي تنذر بدورها بعدم الاستقرار قريبا، بل بتصاعد الأزمات وظهور تحديات أخرى كاستفتاء كردستان الذي سيفرز تبعات وانشغالات حثيثة عن صفقة القرن، نهايك عن الصداع المتجدد لترمب مع "بيونج يانج"، التجربة تقول أن كافة الاتفاقيات ومشاريع التسوية سقطت في ظل نظام عالمي وإقليمي مستقر جدا قياسا باليوم، فكيف ستصمد الصفقة إن حدثت في ظل هذه العواصف؟

* الضمور الحاد في فاعلية السياسة السعودية نتيجة للهزائم المتلاحقة في اليمن وانتقال الحرب لداخل المملكة إضافة إلى فشل حصار قطر والتخبط الواضح للمملكة فتارة تتجه لترمب وتارة لإسرائيل ومؤخرا نحو موسكو في مشهد يفيد بأن أحد أطراف الصفقة فقد زمام أموره.

إن ما حدث ليست مصالحة إنما
إن ما حدث ليست مصالحة إنما "تقارب مصالح" مؤقتا علىى وتر البدائل لحماس ما بين الرئيس عباس أو تلميع دحلان وأخرها المواجهة مع الاحتلال
 

ما مصير صفقة القرن؟
مجمل الاتفاقيات ومشاريع التسوية شُيعت لمثواها الأخير لذلك تتردد عبارة إحياء عملية السلام، الثابت أن من ينظر ويسوق لصفقة القرن وقع في عدة حسابات خاطئة:

1- الثقة التامة بكلام ترمب ورغبته في إبرام صفقة علما أن الرجل عجز عن تمرير مشروع قرار يمنع دخول رعاية ستة دول إلى بلاده، زد لها الجهات الساخطة على ترمب (المخابرات المركزية، والبنتاغون، ووزارة الخارجية، وأعضاء مجلس الشيوخ من كل ألوان الطيف).

2- الافتراض أن الشعب الفلسطيني سيقبل بسيناء بدلا عن فلسطين، تجدر الإشارة هنا أنه حتى لو قبلت حماس فإن الشعب الفلسطيني سيتركها ويبحث عن طرف أخر يمثله كما حدث مع فتح في أوسلو.

3- عدم إعارة المعسكرات السنية (قطر تركيا والقوى الفاعلة في الربيع العربي) والمعسكرات الشيعية ومن معهم (حزب الله، إيران، سوريا والحوثي) أي اهتمام وأي وزن ضمن هذا المخطط، علما أن هؤلاء لو اجتمعوا سويا في لوبي معاكس من السهل عليهم إفشال صفقة القرن أو إفراغها من مضمونها بعدم التعامل مع مخرجاتها.

ما مصير المصالحة الفلسطينية؟
يستطيع المتابع لكواليس ما يجري أن يفهم أن ما حدث ليست مصالحة إنما "تقارب مصالح" مؤقتا على وتر البدائل لحماس ما بين الرئيس عباس أو تلميع دحلان وأخرها المواجهة مع الاحتلال. 

تناغم المصالح في هذه المصالحة التي ولدت ميتة لن يدوم طويلا، فالفاعلين للضغط على حماس وفتح "نظام السيسي" ومن معه سيتراجعون عن دورهم متى تحققت المصلحة أو وجد البديل، علاوة على ذلك الملف الأمني لإدارة غزة هي عقبة يستحيل تجاوزها. دروس التاريخ أفضت إلى حقيقة واحدة أن "أي صفقة تتجاوز فلسطين التاريخية محكوم عليها بالفشل".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.