عَرف النّاس محمد بن سلمان، وزيرًا للدفاع، يخوض الحرب بنفسه، ويحشد خلفه تحالفًا ضخمًا تقوده دولته، يردّ به صولة "العدوّ الإيراني"، وسُميت العملية برمّتها "عاصفة الحزم"، ثمة إشارة ضمنية بالاختلاف، وأن حكم الملوك السابقين بإداراتهم وفرق عملهم، لم يكن حازمًا بما فيه الكفاية للتصدي للتحديات الخارجية.
تتمحور الأهداف المتعلقة بالمتن، أي بالرجل الصاعد إلى الحكم، في ثلاثة مرتكزات، الأول؛ التعريف به والتمهيد له عمومًا، وإدخاله إلى ساحة الحكم بصخب جاذب، وفي قلب زوبعة هائلة، تصرف عن مجاله كل من سواه، وقد طمس صخبه، حضور ابن عمّه الذي كان ولي العهد الاسمي ساعتها.
والثاني؛ إظهار قدراته على نحو مختلف، فالرجل هنا طفرة في تاريخ المملكة، من بعد جدّه المؤسس، هكذا أرادوا أن يقدّموه في إهاب الحرب. والثالث؛ لا بدّ من شدّ الناس إلى الحكم الجديد، وجمعهم حوله، وغبار الحرب في هذه الحالة يغطّي على الكثير مما يجري، ويطغى صخبها على أصوات الحركات الداخلية المحفوفة بالكتمان، بكلمة أخرى، صَرَف أنظار الناس عن مساعي ابن الملك الخاصّة، وحشدهم من خلفه في الوقت نفسه، ولا شيء يشدّ الناس ويحشدهم كعدو خارجيّ.
صعد الشابّ فصار وليًّا لولي العهد، ثم أزاح ابن عمّه وأخذ ولاية العهد منه، ولم يعد بينه وبين العرش سوى خطوات يسيرة. لكنّه بحرب اليمن ترك لنا دليلاً نفهم به صخبه الضخم، فهو، ذاته وطموحاته، القطب الذي تدور عليه رحى السياسات السعودية الداخلية والخارجية، التي هي هامش من جهة، أنّها "تسليك" لطريقه، ودعاية له، وشدّ للناس من خلفه.
القومية السعودية التي يجري تخليقها بدلاً من العامل الديني، واختصارها بالتدريج في حكم الملك سلمان وابنه، غطاء كثيف لحكم الرجل الفرد. وإزاحة الدين من المجال العام وإعادة تعريف دوره وموقعه، ورفع القيود عن الحريات الفردية، التي ليس منها السياسية بطبيعة الحال، وتمكين المرأة، وغير ذلك مما يمكن أن يدرج في هذا السياق.. كل ذلك؛ إعادة تقديم للشخص الطفرة المختلف، ورشوة للنخب الداعمة له لدى صنّاع القرار الأمريكي.
حصار قطر الذي يبدو في جانب منه متعلقًا بشكل مباشر بـ "المطحنة" التي أخذ بها يطحن ابن عمه بالتدريج قبل إزاحته، استدعاء سعد الحريري وفرض الاستقالة عليه واحتجازه، والتصعيد الخطير ضد إيران ومحورها ووجودها في لبنان.. كل ذلك تعزيز لوجود العدوّ الخارجي لشدّ الناس من خلفه.
في الأثناء، يُعلن فجأة عن احتجاز عدد كبير من الأمراء، والوزراء، ورجال الدولة، ورجال الأعمال، وفي القلب منهم متعب بن عبد الله، الرجل الوحيد الذي لم يزل (يملك) جيشًا مدججًا في الدولة، اتّخذ الأمير محمد شعار مكافحة الفساد غطاء هذه المرّة، ولا ننسى أنه الرجل الطفرة المختلف الحازم، ففي ساعة واحدة شُكّلت هيئة مكافحة الفساد ونُفّذت إجراءاتها كلها تلك، وفي غمرة هذا كلّه، ضاع صدى إزاحة متعب عن رئاسة الحرس الوطني، وصار كغيره في قلب المُتّهمين بالفساد، ولم يبدُ الأمر صراعًا على السلطة، وهكذا كَبَح الأمير الصاعد إلى الملك، أي مفاعيل محتملة لإزاحة متعب.
ولأنّ الإجراءات الداخلية، أي اعتقال الأمراء والنافذين في الدولة، ليست سهلة ولا عابرة، أُعيد تقديم العدوّ الخارجي الإيراني من جديد، من البوابة اللبنانية هذه المرّة، وبإجبار سعد الحريري على الاستقالة، والتصعد ضدّ حزب الله، والهدف دائمًا شدّ الناس إلى قطب الرحى، محمد بن سلمان، وحشدهم من خلفه، لدعمه في حماية البلد، من الأخطار الخارجية، والفساد الداخلي.
لا أنفي هنا، الأسباب السياسية، ولا الاقتصادية، التي أن يُدمّر بلدًا كاملاً على الطريق إلى العرش، أن يحطّم توازنات مستقرة، فهو المتن الذي يُحشّي بنفسه على نفسه!
فلسطين، أيضًا هامش، لا معنى لأن نقول إن فيها المسجد الأقصى، قد تبدو للأمير الطموح رشوة سهلة تُدفع للسيد كوشنير، بيد أن فلسطين تبقى، وكوشنير ووالد زوجته وبنيامين نتنياهو، كلهم يزولون، وكذلك هي المتن في الحقيقة، وقطب الرحى، الذي تُصبّ فيه الأحداث صبًّا، وإنّ غدًا لناظره قريب.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.