شعار قسم مدونات

هل انتهى وعد بلفور؟

blogs - palestine

لا أحد يستطيع نسيان وعد بلفور الذي أعطى اليهود فلسطين كوطناً لهم في هدية كان غلافها على يد أرثر جيمس بلفور رئيس الوزراء البريطاني آن ذاك ليستبيحوا دماء أهلها ويقطنوها بدلاً عنهم، لا يهم كم عدد الأشخاص الذين ستقتلوهم ولا عدد الجرحى والخسائر القومية ولا الجغرافية المهم هو كيف ترضخوهم!

 

مخطط بريطانيا الذي كان برهاناً وشرارةً لبدء تغيير ملامح الوحدة العربية وإعادة تشكيل مخططات تُبقى المنطقة العربية في جوهر نكباتها التي لا تترك المجال لهم للتفكر، بدأ المخطط اليهودي بمباشرة التخطيط وتلقي المساندات المادية والاستخباراتية والعسكرية تقريباً كل شيء ما عدا التنفيذ، كانوا جاهزين بشكل كامل لهدفهم في دحر وطمس معالم الدولة الفلسطينية المستقلة لتبدأ من هنا النكبات والمجازر التي نفذها هذا الاحتلال بدءاً من نكبة 1948 وما تبعها من مجازر ونكسات كنكسة عام 1967 وحتى اليوم وما نراه من حروب وتقنين وتحريف للشواهد والتاريخ الذي يحاولون التلاعبَ به حتى يقنعوا شعبهم اللقيط بأن هناك تاريخ يجمعهم وديانة ودولة قومية يهودية الأساس.

  

كلها أكاذيب يحاول صانعي القرار لديهم تحقيقها وإقناع أفرادهم بها حتى يحافظوا على هيكلتهم الداخلية متوازنة بأن هناك روابط تاريخية تجمعهم على أرض فلسطين منذ الأزل. فهل نجحت بريطانيا واليهود في فرض معادلة حق القوة على معادلة قوة الحق؟ في الحقيقة نعم والدليلُ على ذلك هو النتيجة التي نراها اليوم وتصديق المجتمع الدولي لها وتصدير صورة الفلسطينيين لهم من أصحاب قومية إلى نزلاء على أرضهم التي هي أرضُنا، الكثيرُ يتساءل لماذا المجتمعُ الدولي لا يناقش قضية حل الدولتين أو حتى الاعتراف بأن فلسطين كانت منذ الأزل موطن للفلسطينيين فقط!

   

لماذا يرفعُ الفيتو الأمريكي مراراً وتكراراً في القرارات والجلسات الخاصة المتعلقة بحقوق الفلسطينيين وإذا لم يرفع الفيتو لا نجمعُ الأصوات التسعة من الخمسة عشر صوتاً بما فيهم الدول الخمس دائمة العضوية! لأنها ببساطة مؤامرة منذ عامها الذي طرحت فيه فكيف سنحاول تغيير ملامح ونهج السياسات الغربية وتكذيبها وهي من صنعتها؟ والأشدُ قهراً هو عندما نقرر إدانتهم إلى من سنشكو من الأساس؟ سنشكو لهم! ما الجديد لا سلطة تعلو سلطتهم إذاً منها وإليها ولا مجال للمحاولة الخاسرة.

  

ينبغي السعي والعمل التام من أجل تحرير روابط وأجندة الأجهزة الدبلوماسية القديمة وتحرير الأفكار من أجل النهوض بهامة استراتيجية سياسية يكون لها دوراً فعال في إعادة ترتيب وبناء القضية الفلسطينية من جديد
ينبغي السعي والعمل التام من أجل تحرير روابط وأجندة الأجهزة الدبلوماسية القديمة وتحرير الأفكار من أجل النهوض بهامة استراتيجية سياسية يكون لها دوراً فعال في إعادة ترتيب وبناء القضية الفلسطينية من جديد
 

وحتى اليوم وبعد مرور قرن على وعد بلفور المشؤم ما زالت بريطانيا تنتهجُ ذات السياسة وحتى أن الأمر قد وصل إلى احتفالهم بمرور مائة عام على هذا القرار، فما هو الحلُ إذاً! هل ستبقى الأحلامُ تائهة في صحراء القوة والتآمر؟ أم هل من الممكن الاعتراف بنا كدولة مستقلة ولو بعد حين؟ الإجابة هنا قطعية لا جدوى من محاولة محاورة الأنظمة القديمة بالدبلوماسية الروتينية التي مللنا منها وأصبحت مكررة يجب علينا تغيير الاستراتيجيات والواقع وفرض معادلات جديدة تبلور من جوهرية المبادئ وتغيراتها، يجب أن يكون قرارنا صارم وموحد يداً بيد لنشكلَ كياناً سياسياً ذا ثقل يناقش ويطرح ويحلل التغيرات الدائمة في محاولة جادة لتغيير الأطروحة الزمنية منذ 100 عام وما يليهم من تجديدات إقليمية وعالمية تحددُ نوايا الصراع على استمرارية المحاولة حتى النجاح.

           

نعلمُ أن لا شيء نقولُ له كن فيكون فهذه خاصية إلهية لا شأن للبشرَ بها ولذلك نحتاجُ لوقتٍ ليس بالقليل لترتيب الأوراق ولهيكلة هذه المنظومة السياسية لتكون متجددة دائماً حتى نحاور وندعم موقفنا ونعزز من لُحْمَتنا السياسية بشكل أكبر وأفضل. فبريطانيا عندما قررت الاحتفال ومنعت المظاهرات المناهضة للاحتفال قدمت نموذجاً واضحاً من الأوتوقراطية السياسية بشكل كامل، تعنتها الملكي يضعها في تغير دراماتيكي مستبد يعطينا صورةً واضحة للنهج الذي تسير فيه سياستها وصعوبة تغيير الواقع بالنسبة لنا كفلسطينيين أشبه ما يكون كالذي كذبَ أكذوبته وصَدَّقها هكذا تتعامل بريطانيا اليوم والولايات المتحدة التي كانت حاضنة هي أيضاً ومنبع رئيسي من نهر اليهودية التي سرقت أرضَ فلسطين.

   
لذلك ينبغي علينا السعي والعمل التام من أجل تحرير روابط وأجندة الأجهزة الدبلوماسية القديمة وتحرير الأفكار من أجل النهوض بهامة استراتيجية سياسية يكون لها دوراً فعال في إعادة ترتيب وبناء القضية الفلسطينية من جديد. ففي ظل التكالبات العربية والديكتاتوريات العالمية تختفي ملامح الدولة الفلسطينية والتي من المفترض أن تتصدر قائمة أعلى الأولويات العربية التي أصبحت اليوم مجرد حاضرٍ غائب، وفي وقت ازدادت فيه الاضطرابات والأهميات وجدنا التجاهلات والفوضوية التي بدورها بالتأكيد أدت إلى إضعاف الكينونة العربية كفاعل أساس في المجتمع الدولي، وفي بسط نفوذها وفي تأثيرها الذي من المفترض أن يكون قوياً أمام المخططات المبطنة التي تحاكُ ضدنا، فبدلاً عن ذلك أصبحنا نرسمُ التآمرات والأحلاف التي وجهناها على بعضنا لنضعف ونقتل ونسرق أنفسنا في غباءٍ عربي كانت نقوشه غربية تقفُ في الظلال فقط تشاهدُ من بعيد صراعاتنا وجهلنا وعشقنا لِلمُلكْ وتقديسنا للأعظم!

      
رِوَاياتُنا كثيرة واختلافاتنا متعددة واستراتيجياتنا منفردة ولكن ألا يجب أن تكون أهدافنا ومبادئنا واحدة موحدة على الأقل! فبدلاً من قمع شعوبكم وحرياتهم اقمعوا أيديولوجياتكم وسياساتكم علها تأتي فلسطينُ بعدها. ففي الحقيقة ما تقوم به بعض الأنظمة العربية اليوم هو ما سيترتب عليه مستقبلاً من تمزقات أكبر من وعد بلفور كنموذجاً، حيثُ سيصبحُ الوطن العربي مثالاً صغير من أمثلة تطرحها القوى العظمى فيما بينها لِصورة نموذجية بحته من خلال تطبيق مصالحها على فأر التجاربِ العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.