شعار قسم مدونات

التنمر.. حينما تكون السخرية علاجا

blogs - bullying

أعتقد بأننا أصبحنا قريبين بما يكفي لأن أشارك قصتي معكم. أنا "أول حفيدة في الإسلام" كما يصفني عمي. الحفيدة الأولى في عائلة أبي. كانت أمي تحتفل بأعياد ميلادي مُذ كنت طفلة لا أجيد قول كلمة "شكرًا" في ذلك الوقت كانت النقاشات تحتدم حول الحكم الديني لأعياد الميلاد. هذا لم يؤثر في رغبة أمي في أن تحضًّر أفضل عيد ميلاد فتزين البيت بالبالونات وتحضر أكلات شهية. وغالبًا ما تضع على الكعكة صورتنا أو شخصياتنا الكرتونية المفضلة. كان عمري ١٦ عامًا عندما فاجأتني أمي بكعكة أحضرتها للصف. لم أشعر بأن صفي كان متحمسا. اعتدت دائمًا ذاكرتي الانتقائية (مثل الجميع) فلم أتخيل أن زميلاتي اللواتي لا يفوتن فرصة لسخرية مني قد يكن سعيدات بعيد ميلادي.

صاغتها بأفضل طريقة مايا أنجلو (ناشطة في حركة الحقوق المدنية) حين قالت"الناس سينسون ما قلت وسينسون ما فعلت لكنهم لن ينسو كيف جعلتهم يشعرون"  مر على الموضوع عدة سنوات ساعدتني على النسيان والمغفرة أيضًا. 

هل جعلني التنمر أقوى؟ ربما، وربما أشياء أخرى مررت بها جعلتني أقوى، لا أنكر أننا نواجه الكثير من التحديات التي تغيرنا ولا يمكننا تجنبها، مثل وفاة شخص عزيز. لكنني أؤمن بأن التنمر يمكن تفاديه ويمكن حل مشكلته، ولا يوجد طفل يستحق أن يشعر بأنه أقل شأنًا ممن حوله. التنمر ليس طريقة تربوية لتقوية الشخصية!

لو كان لدى الطفلل صفات سيئة فيجب أن يغيرها لاقتناعه بأن هذا سيجعله شخصًا أفضل ليس ليتوقف التنمر فهذا لا ينجح

 كثيرًا ما يتحول ضحايا التنمر إلى متنمرين بدورهم إضافة إلى ذلك يشعرون بالضيق ويؤثر على أدائهم الدراسي سلبًا وحتى يؤثر على شخصيتهم وسلوكهم على المدى البعيد فيفقدون ثقتهم بالناس، وتنعكس تجربتهم على محيطهم سواء في الجامعة أم الأسرة أم العمل.

العالم الْيَوْمَ أكثر وعياً، وباتت كلمة التنمر شائعة في المدارس وبيئات العمل، والوعي بالمشكلة وتشخيصها السبيل الوحيد لمواجهتها، وتتيح منصات التواصل مساحة واسعة للتوعية والعلاج، ومن الأمثلة على ذلك طرق تجنب "التنمر اللفظي" ل "اليوتيوبر" "راين هيغا"  فقد تحدث عن تجربته مع المتنمرين وكيف بالسخرية مما يقولون أصبح الناس يضحكون عليهم لا عليه. ليس هناك طريقة تنجح مع الجميع و للأسف أول ما يتأثر عند ضحية التنمر هو ضعف ثقته بنفسه فيشعر المتنمِر بأوج قوته عندما يرى المتنمَر عليه منكسرًا. بالفعل شعرت بالانكسار أحيانًا ورددت السيئة بالسيئة مرات عديدة فكانت الملاسنات تحدث أحيانًا داخل الحصص فنتجادل ونتبادل الإهانات. كنّا صِغَارًا نسبيًا والمشكلة الأكبر هو أن الموضوع استمر لعدة سنين لا أعرف لماذا لم يوقفه أحد وهذا أسوأ ما في الأمر! 

علينا أن ندرك حجم المشكلة فكما علينا أن نحافظ على صحة الأطفال جسديًّا ونرسلهم للممرضة في حال مرضوا. فعلينا أن نتأكد من أنهم مرتاحون في صفهم. وكوّن شخص (أو مجموعة غالبًا) في الصف يستمتع بمضايقتهم فهذا إذا كان يشير إلى شيء فهو يشير لعدم نضجه (أو نضجهم) ولا يعني أن الضحية هو شخص فاشل. وحتى لو كان لديه صفات سيئة فيجب أن يغيرها لاقتناعه بأن هذا سيجعله شخصًا أفضل ليس ليتوقف التنمر فهذا لا ينجح. لا أقول أن أحدًا لم يحاول حل المشكلة لكن الحل يجب أن يكون جذريًا وأن يكون التعامل حازم مع الموضوع ووجود رادع للمتنمرين. أنا لا أؤيد الهروب من المشاكل لكن برأيي تغيير المدرسة حل مناسب في كثير من الحالات وأن يبحث الطفل عن أصدقاء خارج المدرسة وأن يعلم بأن تغيير المدرسة ليس دليلًا على ضعفه بل هو طريقة للتعرف على أناس جدد. مثلًا ارتحت جدًا عندما انتقلت إلى مدرستي في قطر.

أتمنى من خلال قصتي أن يشعر الناس بأنهم ليسوا وحيدين وأن يدافع الناس عن الضحية وأقوى سلاح ضد التنمر هو الصداقة فالمتنمر عليه يشعر بالوحدة وغالبًا ما ينقلب الجميع ضده. من المغري للأطفال تقليد التآمر على الضعيف لكن الصحي لهم هوأن يتعلموا "أن يعاملوا الناس كما يحبوا أن يعاملوا. "وكما في الحديث "لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.