شعار قسم مدونات

هنري كامبل والحضارة الخضراء..

BLOGS - الجيش المصري
في سنة 1907 خرجت إلى الوجود وثيقة مهمة وهي نتاج عن عدة دراسة قام بطلبها رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل مابين (1905 – 1907 ) من مجموعة من الجامعات البريطانية و الفرنسية وبعض مراكز الأبحاث التي تعنى بالدراسات الاستراتيجية في أوروبا.. كان كامبل مهتم بفلسفة التاريخ وكان متأثرا بفكر فلاسفة التاريخ وخاصة الفيلسوف والمفكر أرنولد تونبي (1889-1975 ) ونظريته في الحضارات وتعاقبها.

وهي النظرية التي ضمنها دراسته الضخمة: Study of history وأصدرها في 12 مجلداً بين 1934 و1954 في هذا العمل قدم توينبي نظرة بانورامية للتاريخ ومفهوماً شاملاً للوجود البشري منذ بداية الحضارات (الآسيوية، الأفريقية، الأسكيمو، الهنود الحمر…) التي سجلها التاريخ في تحليله مكنه من أن يلقي سؤاله الجوهري حول وضع الحضارة الغربية المعاصرة

ومستقبلها، وتساؤلا عما إذا كان مصير الحضارة الغربية مثل مصير الحضارات التي اندثرت ولم يعد لها وجود.

هذا الطرح الذي طرحه أرنولد تونبي استفز كامبل

وهو ما جعله يطالب بدراسة معمقة للحضارة الغربية وتحديات التي تواجهها… وما جعل كامبل يفكر في إعداد هذه الوثيقة هو أنه كان يعلم أن الحضارة الغربية المسيحية قد بدأ نجمها بالأفول وهذا ما جاء به تونبي في نظريته دراسة التاريخ، في سنة 1907 تم الانتهاء من هذه الدراسة وحملت أجوبة مفصلة لكل تساؤلات كامبل وسميت هذه الدراسة بوثيقة كامبل، وأهم ما جاء في هذه الوثيقة ما يلي: تم تقسيم العالم إل 3 مساحات وهي كالآتي:
 
في مطلع الألفية الثالثة حدثت هزة عالمية غيرت سياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي العربي والمتمثلة في أحداث 11 سبتمتبر التي اتخذتها أمريكا ذريعة للهجوم على الإسلام

– المساحة الأولى: تتكون من كل دول التي تقع في المنظومة الغربية المسيحية، وجاء بتوصياتهم أن على القوى الغربية تقديم الدعم والمساندة لدول التي تقع ضمن دائرة الغرب.
– المساحة الثانية: وهي المساحة الصفراء التي لا تتناقض مع المبادئ والقيم الغربية، وبالتالي فإن الغرب يقدم لها الدعم حسب المصلحة، أي أن العلاقة بين الغرب والأسيويين علاقة تتقلب حسب المصلحة، يوما معي ويوما ضدي.
– المساحة الثالثة: وهي المساحة الخضراء التي تحتوي على منظومة قيمية تنافس المنظومة الغربية (لا إله والحياة مادة)، وهذه المساحة تشمل كل الدول الإسلامية، وهكذا فالحضارة الغربية تتخذ ضدها إجراءات مثل الحرمان من التقنية، ومضاعفة مشاكل الحدود، ومضاعفة مشاكل الأقليات (صراعات المذهبية وطائفية والقبلية…).

بعد طرح أهم ما جاءت به هذه الوثيقة، سنحلل الجزء المرتبط بأمتنا وحضارتنا الإسلامية وهذا ما سيجعلنا نفهم المشاكل والأزمات التي نمر بها في الوطن العربي والإسلامي وخاصة ما يحدث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حروب وفتن… والمتتبع للأحداث والوقائع التي حدثت وتحدث في أوطاننا العربية سيفهم وسيتبين له أنها ليست بمحض الصدفة بل هي مجموعة من المخططات والدراسات الاستراتيجية التي يحيكها الغرب ضد ما أسموه بالحضارة الخضراء باعتبارها المنافس لها، ذلك أنها تحتوي على منظومة قيمية أخلاقية مغايرة.

منذ توقيع الاتفاقية السرية بين بريطانيا وفرنسا -سايكس بيكو- والأحداث تتوالى والنكسات تتتابع، ففي سنة 1917 قام بلفور بتقديم وعد للصهاينة بتأسيس وطن قومي لهم بفلسطين، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية قامت بريطانيا بتنفيذ الوعد المشؤوم، وهكذا تم احتلال الأراضي الفلسطينة سنة 1948، وفي نفس السنة تم هزيمة العرب على يد الصهاينة.

في ليبيا حدث التفاف على الثوار وتجريمهم وزرع عملاء الدول الغربية ودعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لإنتاج نسخة طبق الأصل لنظام العسكري السابق
في ليبيا حدث التفاف على الثوار وتجريمهم وزرع عملاء الدول الغربية ودعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لإنتاج نسخة طبق الأصل لنظام العسكري السابق
 

وسميت هذه الأخيرة بالنكبة العربية، وتلتها سنة 1967 النكسة حيث احتلت كل من هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية، وفي سنة 1973 شنت أمريكا حربا على الخليج إثر أزمة البترول، وفي مطلع الألفية الثالثة حدثت هزة عالمية غيرت سياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي العربي والمتمثلة في أحداث 11 سبتمتبر التي اتخذتها أمريكا ذريعة للهجوم على الإسلام تحت يافطة الحرب على الإرهاب . ففي سنة 2002 احتلت القوات الأمريكية بمساعدة حلفائها أفغانستان وبعدها بسنة تم احتلال العراق وتدميره وزرع الطائفية وشقاق بين أبنائه.

بعد هذه الأحداث، جاءت ثورات الربيع العربي لتسقط الأنظمة الديكتاتورية المستبدة ظالمة وتعبر عن أحلام وتطلعات الشباب، وتم إسقاط كل من نظام بن علي في تونس والقذافي في ليبيا وحسني مبارك في مصر وعلي عبدالله صالح في اليمن وخروج السوريين ضد الأسد والانتقال الديمقراطي في المغرب.. ولكن هذا الربيع أضحى خريفا بعد ما وجهت هذه الثورات بأخرى مضادة ففي تونس تم الانقلاب على الخيار الديمقراطي وعودة فلول النظام السابق، وفي مصر تم انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا الدكتور محمد مرسي.

وفي ليبيا حدث التفاف على الثوار وتجريمهم وزرع عملاء الدول الغربية ودعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر لإنتاج نسخة طبق الأصل لنظام العسكري السابق، أما في اليمن قام الحوثيون وأنصار علي عبدالله صالح بالانقلاب على الشرعية وإشعال نار الحرب الأهلية التي أهلكت الحرث والنسل والعمل على تقسيمه وتفتيته إلى دويلات متناحرة، أما في المغرب فتم الانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في 7 من أكتوبر 2016.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.