شعار قسم مدونات

ابقي كما أنتِ..

blogs امرأة

أكتبُ إليكِ رسالتي، سأسعدُ وإن قرأتِها أنتِ وحدك، ولن أكتفيَ منها ولا منكِ، وسأُعيدُ صياغتها المرةَ تلوَ المرة، وسأدمجُ لكِ فيها قليلًا من روحي. سأكتبُ إليكِ لأنكِ دائمًا ما تكونينَ مُنحازةً إليَّ بعدَ قراءتكِ لكلماتي، فتغيّرُ كلماتي قليلًا من معتقداتكِ، فتستسلمينَ لأفكاري. عقدتُ العزمَ لأجعلكِ اليومَ بين حروفِ قصائدي، وتحت منضدتي كتمتُ سرًّا لم أبح بهِ، فبحتُه هنا إليكِ، وسأُبقي لحديثِنا بقية؛ فأرجوكِ لا ترحلي قبل أن أُنهيَ حديثي معك، فبكِ يحلو الحديثُ، وتحلو الحياة بقربِك.

 

أخافُ أن يأتيَ ذلك اليومُ الذي لا أجدكِ فيه إلى جانبي، فأفتقدكِ، أخاف من أن تقتلني الحياةُ رويدًا رويدًا، فتعتصرُ أفئدتي، ويعصفُ وجداني، وتمحوني فأمضي كجسدٍ بلا روح، أخاف عليكِ ومنكِ حين تقسو عليكِ الدنيا، فتقسينَ على نفسكِ التي منحتني الحياة ولم تمنحكِ، أخاف أن تجورَ الأيامُ بي وبكِ، ونمسي بلا يقينٍ وبلا أملٍ يُجبرنا على العيشِ، ولم يقنعني بالعيش بها سواكِ، أخاف أن تختفي عينيكِ كسرابٍ اختطف جمعَنا والتقاءتنا فتقاتل للنيل مني ومنكِ..

أخاف هذه الدنيا التي تسير خلفَنا رغمَ تقدمِها، فلا نعرف إن كانت تجري بنا أم نحن مَن نجري خلفَها لنلحقَ بما لم يأتِ، ويأتي ليقتطفَ منا زهورَ الحدائقِ التي زرعتها أناملك في ضحكاتي.. أراكِ صديقتي حين تعتريني الأحزانُ لأبوح إليكِ بأُمنياتي وفزعي وإخفاقاتي.. أخاف من أنانيّتي، فأجدُني منغمسًا بالبحث عنكِ في كل اجتماعاتي، رفيقتي أنتِ وجزءٌ من اعترافاتي، وجزءٌ من انكساري الذي دفعني إليك، أتعرفين بأي الأسماءِ أناديك؟ أناديك "الشمس" حين ينطفئ النورُ في جوف الليل، ووحدتي أنتِ حين تغيب الجموع وحين أكون في حضرة الأصحابِ، أناديك "الفجر" حين تشرقين في صباحاتي، "نجمتي" أنتِ حين أغفو فوق وساداتي، ابقي أنتِ كما أنتِ، وإن جار الزمانُ عليَّ وعليكِ، "وجَعي" أنتِ حين ترفض آلامُك أن تدعَكِ وشأنَك فتئنِّينَ وحدك في الظلماتِ، وجعي أنتِ وجميعُ صلاواتي..

 

أعوذُ بالله من فقدٍ يكتويني، فأكتويَ معه حتى لا يعودَ لي صوتٌ ولا لسانُ لغةٍ ولا قافيةُ سجعٍ ولا مضمونُ جُملٍ قد كتبتُ إليكِ لتقرأها عيناكِ، فتنتشليني فتفديني بحزني لتحمليه عني فأنساهُ ولا أنساكِ
أعوذُ بالله من فقدٍ يكتويني، فأكتويَ معه حتى لا يعودَ لي صوتٌ ولا لسانُ لغةٍ ولا قافيةُ سجعٍ ولا مضمونُ جُملٍ قد كتبتُ إليكِ لتقرأها عيناكِ، فتنتشليني فتفديني بحزني لتحمليه عني فأنساهُ ولا أنساكِ

لا أريد أن تكبري، ابقي كما أنتِ.. لا أريدُ أن تشيخَ أوردتُكِ، فتصبحَ أكثرَ انبثاقًا وأصفى زُرقةً من بحرٍ احتضنَ لونَ السماءِ، لا أريدكِ أن تغيبي عن ناظريّ، ليبقى نورُ العينِ يشعُّ في مقلتي نظراتي.. لا تشيخي فيشيخَ عمري، فأكبرَ حين تكبرين سنينًا تفوق سنواتي.. "ملاكي" أنتِ حين تكثرُ ذنوبي فتغفري وتعيدي بنائي بعطرٍ يفوحُ فيستدعي استفاقتي..

ماذا أفعلُ كي تمضي الحياةُ معي، بين ذاتي وذاتي؟ لا أريدُ أن أصدّقَ ارتجافةَ يديكِ، ولا افتراشَ الشيبِ الخبيثِ رأسَكِ.. لا أريدُ أن أصدقَ نسيانَكِ لأشيائي، ولا تجاعيدَ رقبتِكِ وانحناءَ استقامتِكِ، وبرودةَ أطرافِكِ وتقلصَ سيقانِك، وتثاقُلَ كلماتِكِ، وتسارُعَ أنفاسِك.. ماذا أفعلُ لأمحوَ عنكِ آثارَ الزمانِ، وأحملَ عنكِ أوجاعَه وألملمَ أجزاءَكِ، لتعودي كما كنتِ، أنتِ كما أنتِ، مهما جارَ الزمانُ عليكِ، وزادت همومُكِ، وجفت جفونُك، وتصدعت شرايينُ أوردتِك.. أعوذُ بالله من اعتراضي على ما آلت إليه الحياةُ بفعلِ أقدارِه، أعوذُ بالله من عمُرٍ يمضي بلا لحنِ صوتِكِ العذبِ الذي يطربُ الشجنَ في الروحِ فتلون أحلامي..

 

لا ترحلي فأرحلَ معكِ بضِحكاتي ونجاحاتي وسعاداتي، فأستسلمَ لإخفاقاتي، ليعتريَني ظلمُ العبادِ وسوادُ جزاءاتي.. أين أنتمي إن رحلتِ؟ وأيُّ بلدٍ يحتويني إن رحلت بلادي؟ أعوذُ بالله من فقدٍ يكتويني، فأكتويَ معه حتى لا يعودَ لي صوتٌ ولا لسانُ لغةٍ ولا قافيةُ سجعٍ ولا مضمونُ جُملٍ قد كتبتُ إليكِ لتقرأها عيناكِ، فتنتشليني فتفديني بحزني لتحمليه عني فأنساهُ ولا أنساكِ..

أرجوكِ ألّا تغيبي فيغيبَ قمري، فمَن بدونِ القمرِ قادرٌ أن يريح عكر النهارات؟ أرجوكِ امنحيني سنينًا أخرى بقربِكِ كي لا تكونَ النهايةُ سنتي، وكوني وهذيان نوباتي.. ستسطعُ الشمسُ غدًا، دعيها تُشرقُ لأجلك.. لا ترحلي فترحلَ ابتساماتي وضِحكاتي، وتغيبَ مشاعري وعلاقاتي، فبعضُ الأحداثِ لا يكون لنا بعد حصولِها صفاءٌ أو اعتزازٌ أو احتماءٌ أو اعتبار، فتقسو الحياةُ فتنسانا وتُنسينا قبل أن تكسرَنا كيف كانت وكُنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.