شعار قسم مدونات

صهيوني في المسجد النبوي

blogs يهودي بالمسجد النبوي

لا مكان لمزيد من الدهشة، فقد استنفد المطبّعون العرب ما في جعبتهم من رصيد العجائب، حتى مظاهر التطبيع مع الاحتلال الصهيوني باتت غير مدهشة وغير محدثة استنكارا مدوّيا كما كان شأنها قديما، غير أن ما يجري اليوم داخل أروقة حلف الثورة المضادة بزعامة السلطة السعودية تجاوز مسألة السعي الهادئ والخجول للتطبيع، لأنه لم يعد محفوفا بسيل من الاعتذارات والتبريرات، والتعلل بأثره الإيجابي على القضية الفلسطينية، وبإمكانية توظيفه لخدمة مصالح الفلسطينيين، كما كان يبرر -مثلا- نظام مبارك في مصر علاقاته مع الكيان الصهيوني، ويردّ على من يطالبونه بإغلاق سفارة الاحتلال، أو طرد السفير، كلّما ارتفعت حرارة الدم في الساحة الفلسطينية القريبة.

 

ما يجري اليوم تجاوز هذا كلّه، فالوقاحة ماثلة في أبشع تجلياتها، ولنا أن نتوقع المزيد منها، وقاحة المجاهرة بتسفيه الحق الفلسطيني، والْتماس العذر للمحتل الصهيوني في سياساته كلّها، ووقاحة الغزل المتبادل بين إسرائيل وحلفائها الجدد على الساحة العربية، وهم جدد من ناحية الإعلان فقط، لكنّ الواضح أن الود والتواصل بينهم وبين كيان الاحتلال كان أقدم وأعرق وأعمق مما نظن.

 

 تغيب ردود الفعل السعودية الرسمية وشبه الرسمية على الحدث، ويتأكد أنها غير مكترثة بنفي أمر لا ترى فيه مجلبة للعار أو الاتهام  (مواقع التواصل)
 تغيب ردود الفعل السعودية الرسمية وشبه الرسمية على الحدث، ويتأكد أنها غير مكترثة بنفي أمر لا ترى فيه مجلبة للعار أو الاتهام  (مواقع التواصل)

أن يدخل صهيوني إلى قلب المسجد النبوي في المدينة المنورة، ويلتقط لنفسه صورا عديدة لتأكيد الحدث ونفي شبهة (الدبلجة) عنه لاحقا، بل أن ينشر مقطعا مرئيا وقت صلاة المغرب في المسجد مستعرضا فيه هدوء الأجواء من حوله وتمتعه بالحرية وعدم تهيّبه من إظهار هويته، وهي التي تشي بها تلك الحروف العبرية على حقيبته، كل هذا لا يبدو اليوم فعلا جديدا إلا في تلك الجرأة على الاستعراض، وإبداء ذلك الاحتفاء الحميم بالوصول إلى قلب العالم الإسلامي، والاستبشار بالود الذي أبداه من الْتقاهم من المسلمين هناك، فضلا عن التغزل بنظام حكم آل سعود، وأجواء الانفتاح الجديدة في المملكة.

في مقابل ذلك تغيب ردود الفعل السعودية الرسمية وشبه الرسمية على الحدث، ويتأكد أنها غير مكترثة بنفي أمر لا ترى فيه مجلبة للعار أو الاتهام، وكأن المطلوب تعويد الشارع العربي عامة والسعودي خاصة على مثل هذه الصدمات الجزئية في وعيه، لاستساغتها، والتهوين من شأنها، تمهيدا لتحضيره للفضائح الكبرى القادمة على صعيد التحالف العلني مع إسرائيل، وتمتين العلاقات معها.

 

أما ردود الأفعال الإلكترونية لجيش تويتر السعودي، ورغم أنها لم تكن كثيفة كشأنها في قضايا أخرى فإنه لم يلاحظ اعتناؤها بالإنكار والتفنيد، بل كانت تميل إلى التبرير وإطلاق هجمات مضادة ضد المنتقدين، خصوصا إن كانوا فلسطينيين، إذ يلاحظ المرء أن هناك احترافية بلهاء في تحشيد هذا الجيش الإلكتروني للهجوم على الفلسطينيين باتهامات محددة ومحفوظة، قوامها اتهامهم ببيع أرضهم لليهود، وبالحقد على السعوديين وحسدهم على نعمة الأمن والاستقرار والرفاه التي يرفلون فيها، وصولا إلى استنتاجات أكثر صفاقة وبلاهة بأن اليهود كانوا على حق في سياساتهم الإجرامية ضد الفلسطينيين، وأن المعضلة في الفلسطيني لا في عدوّه المحتل. بمعنى أن هذا الهجوم لا ينال من الشعب الفلسطيني بقدر ما ينال من حقه وينحاز بشكل سافر إلى عدوّه!

 

وكان من طرائف تعليقات الذباب الإلكتروني قول أحدهم إنه "لو رأى هذا اليهودي في المدينة لسلّم عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان جاره يهوديا!". هكذا يجري تسطيح المسألة ونزع فتيل الغضب منها، وكأن المشكلة في دين هذه الشخصية وليس في انتمائها إلى كيان مغتصب مستعمر، ومعادٍ للأمة كلها، وبمثل هذا المنطق سيجري تبرير أي تعاون وتحالف رسمي سعودي إسرائيلي متوقع.

 

كل هذا يحيلنا إلى ملاحظة حجم التشوه الإدراكي لدى قطاع غير قليل من مناصري أنظمة هذا الحلف، لكنّ ما يجعل الأمر يبدو ممعنا في البشاعة اضطرار منكريها للصمت، والامتناع عن الجهر بإدانتهم لهذا الانحدار المتسارع في الوعي والتحلل من القيم والثوابت العامة، وفي هكذا حال سيكون الميدان حكرا على صوت واحد ورأي واحد، وهو المعبّر مباشرة عن إرادة وسياسة حكامه الآثمة، وهو ما سيُعمّق القطيعة النفسية بين الشعوب لصالح مشروع التطبيع والاندفاع بلا ضوابط إلى أحضان إسرائيل، ونثر السهام العربية في كنانتها، ومنحها منظار الرؤية، وبوصلة المسير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.