شعار قسم مدونات

أفضل من فيراتي.. وأبعد ما يكون عن كاسيميرو

MILAN, ITALY - NOVEMBER 13: Jorge Luiz Frello Jorginho of Italy in action during the FIFA 2018 World Cup Qualifier Play-Off: Second Leg between Italy and Sweden at San Siro Stadium on November 13, 2017 in Milan, (Photo by Marco Luzzani/Getty Images)

"كرة القدم الإيطالية هي كرة الخوف، نهاجم بلاعب أو اثنين، وندافع بعشرة، الشبّان يبقون على مقاعد البدلاء، روح المغامرة شبه معدومة، والناس لا تأتي إلى الملاعب". لخص أريغو ساكي، حليق الرأس الذي قلب خارطة التكتيك في نهاية تسعينيات القرن العشرين حال الكرة في بلاده قبل سنوات طويلة من الصدمة المدوية للأزوري بعد الخروج من تصفيات كأس العالم للمرة الأولى منذ نحو ستين عاما، وكأنه زرقاء اليمامة التي تعرف المستقبل وتتوقع المجهول.

 

مشكلة فينتورا أنه رجل تقليدي، لا يحاول ولا يغامر ولا يقلد الأفضل، لديه تجربة ساري مع نابولي في الجنوب، ويصر على اللعب برسم 4-2-4 في بداية التصفيات، وحينما قرر التغيير، ذهب إلى 3-5-2 التي حفظها الخصوم عن ظهر قلب. تبقى هذه الملاحظات وجهة نظر قد تخطيء وقد تصيب، لكن الشيء المثير للغرابة تصريح المدير الفني في سبتمبر 2017، بأنه يحترم اللاعب جورجينيو، لكنه لا يعتمد عليه بسبب عدم وجود مكان له في خطته.

 

المضحك المبكي في هذا التصريح أن فينتورا استعان بارتكاز نابولي عند تأزم الأمور، ولعب به أساسيا في آخر مباراة أمام السويد، لكن بعد فوات الأوان، ليفشل الأزرق في التسجيل ويدفع الجهاز الفني الثمن غاليا، نتيجة تجاهل مجموعة المواهب المميزة طوال مشوار التصفيات، وعلى رأسهم جورجي لويز فريلو فيلهو، المعروف باسم جورجينيو.

 

جورجينيو لاعب ارتكاز دفاعي على الطريقة الحديثة، صانع لعب متأخر أسفل الدائرة، تكتيكيا يعرف بالريجستا على خطى بيرلو وأقرانه. خفيف بالكرة من الصعب مراقبته، يتحرك باستمرار ولا يقف أبدا في مكان واحد، ويمتاز بالرؤية الممتازة التي تساعده على اتخاذ القرار السريع والصحيح في آن واحد، بالإضافة لقدرته على لعب مختلف التمريرات، سواء كانت قطرية أو طولية أو بينية. بارع جدا في الاحتفاظ بالكرة، ويجيد التحرك من دونها، بالتمركز الإيجابي وملأ الفراغات والتغطية خلف زملائه دفاعا وهجوما.

 

مدرب المنتخب الإيطالي جيامبييرو فينتورا (غيتي)
مدرب المنتخب الإيطالي جيامبييرو فينتورا (غيتي)

 

كل لاعب لديه عيوب، ربما مشكلة هذا اللاعب الوحيدة صغر حجمه، وبالتالي يخسر كرات عديدة في الهواء، ويحرم زملائه من ميزة الاحتفاظ بالكرة الثانية، لكن على عكس ما يتوقعه الكثيرون، فإن جورجينيو يملك إحصاءات مذهلة على مستوى العرقلة المشروعة والافتكاك وقطع الكرات، صحيح أن أرقامه قلت مؤخرا، نتيجة الطريقة الهجومية التي يلعب بها ساري، وحرمانه خصومه من الكرة في أغلب الأوقات، إلا أن المتابع الجيد لمسيرة جورجينيو، سيدرك تفوقه في هذا الشق خلال آخر مواسمه مع فيرونا، بمعدل وصل إلى 2.41 (عرقلة/افتكاك) في المباراة الواحدة.

 

"أصعب منافس واجهته؟ بكل تأكيد هو جورجينيو"، كانت هذه كلمات النينجا ناينجولان عند سؤاله عن أميز لاعب وسط في الكالتشيو، وبرر إجابته بأن وسط نابولي من المستحيل إجباره على ترك موقعه، بالإضافة إلى سرعته في توزيع اللعب، وصعوبة منعه من تنفيذ مخططاته الهجومية، مما يجبر منافسه على الجري لمسافات طويلة خلف الكرة.

 

لعب الارتكاز مباراته الدولية الأولى -بعيدا عن الوديات- أمام السويد بالتصفيات، ورغم فشل الطليان في تحقيق الفوز، إلا أنه كان نجم اللقاء الأول، بشخصيته القوية وتمريراته الحريرية واشتراكه في معظم الهجمات، لدرجة قول البعض بأن 90 دقيقة فقط مع جورجينيو أفضل من كل مسيرة فيراتي مع منتخب إيطاليا. ماركو أشهر موهبة إيطالية في الوقت الحالي، وواحد من أفضل لاعبي الوسط في أوروبا، ومقارنة جورجينيو به في أول اختبار حقيقي بمثابة الخطوة الموفقة للفتى الجديد.

 

فيراتي استثنائي في أمور عديدة، لكنه لا يتطور بالقدر المطلوب مؤخرا، بسبب ضعف الدوري الفرنسي وعدم وجود منافسين أقوياء لباريس، مع كثرة تغيير المدربين داخل النادي، وأسلوب أوناي إيمري المباشر الذي يميل إلى التحولات السريعة، والتركيز أكثر على نجوم الثلث الهجومي، لذلك انتقلت السطوة من الوسط "فيراتي" إلى الهجوم "نيمار وشركاه". يبدو الرقم 4 كالتلميذ النجيب الذي حصل على "جيد جدا" في أولى سنواته الجامعية، واكتفى بهذا التقدير طوال مسيرته.

 

جورجي على النقيض تماما، استفاد كثيرا من أفكار ماوريسيو ساري، وأخذ في التطور من سنة لأخرى. يقول عن مدربه، "لقد طورني على المستوى التقني والتكتيكي، أتعلم منه كل يوم، وصرت أفضل في التموضع، مع القراءة الجيدة للمباريات، ومعرفة التفاصيل الصغيرة التي تساعدني على فهم التغييرات الطارئة غير المتوقعة"، أي أنه قابل للتحسن في القادم، وإذا كان تقديره الحالي جيد مرتفع على سبيل المثال، فإنه يملك المقومات التي تؤهله لتحقيق الامتياز، والتفوق على قرينه القابع في خانة الجيد جدا!

 

لاعب نادي نابولي والمنتخب الإيطالي جورجينهو (غيتي)
لاعب نادي نابولي والمنتخب الإيطالي جورجينهو (غيتي)

 

يمكن القول إنه أهم لاعب في تكتيك ساري، لأنه يستلم الكرة من المدافعين، يخفف الضغط على لاعبي الهجوم، يساهم بتمريراته في كسر خطوط ضغط المنافس، وينقل الكرات تجاه لاعبي الثلث الأخير، لذلك هو أفضل ضامن ممكن لكسر ما يعرف بالـ "U"، أي لعب التمريرات من اليمين لليسار والعكس دون اختراق لدفاعات الخصم، مما يصيب المتابع بالملل والتكرار، لكن مع جورجينيو، يستطيع نابولي لعب الكرات القطرية أو البينية بالتبادل مع لاعبي الوسط في الأمام، مع نقل الهجمة من الخلف بطريقة سريعة غير تقليدية.

 

شارك مع إيطاليا بعد عذاب، وواجه تجاهلا غير مبرر من البرازيل، وطنه الأصلي ومكان ميلاده، رغم أنه يختلف تماما عن تلك النوعية التي يعتمد عليها تيتي، كفرناندنيو وباولينيو وكاسيميرو وأوغستو، والتي تمتاز بالقوة البدنية والسرعة والميل إلى التدخلات والركض أثناء التحولات، مع التسديد من بعيد وتسجيل الأهداف نتيجة التحرك في القنوات الشاغرة.

 

تفوز البرازيل بسهولة مؤخرا، وقدم تيتي نفسه كأفضل نموذج ممكن في القارة اللاتينية، لكن اللعب في كأس العالم سيكون مختلفا لا محالة، لأن هناك منتخبات أقوى ومدارس كروية مغايرة، لن تعتمد فقط على الجانب البدني وترك فراغات واسعة في الخلف، يستغلها نيمار وباولينيو وبقية الرفاق، ولنا مثال بتجربة دونغا السابقة في 2010، حينما فاز السيلساو بكوبا أميركا وكأس القارات، قبل أن يخرج أمام هولندا في المونديال، لأن الفريق الأوروبي لعب بتكتيك متحفظ، وأغلق المساحات جيدا أمام المهاجمين، مع استغلال الهفوات الساذجة للدفاع.

 
تضغط بعض الفرق أيضا بقوة كالماكينات الألمانية، وتضم منتخبات فرنسا وإسبانيا عدة مواهب بالوسط والهجوم، لذلك لن تكون المهمة سهلة أمام البرازيل، وربما سيندم تيتي على تجاهله الغريب لجورجينيو وعدم تجربته حتى في مباراة ودية، لينسف مفهوم الاختلاف في التشكيلة، مكتفيا بما يملكه من لاعبين متشابهين في الوسط، خصوصا أن النابوليتي خيار أكثر من رائع للهروب من الضغط، وخلق مضخة جديدة لصناعة الهجمات من الخلف، في حالة تعذر فعل ذلك بالثلث الأخير. ما علينا إلا الانتظار، وإن غدا لناظره قريب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.