شعار قسم مدونات

إرهاص الحقوق والحريات

Blogs- syria

يقول أحد أعلام الثورة الحق "من رأى قائده مقيماً على الباطل، فلم ينصحه، ولم يفارقه، كان غاشاً لله ورسوله وأمّته، فما بالكم بمن يجمل له سوء عمله!"، فما محلّ الحكومات العربية من وقائع اليوم، معاهدات وتقسيمات وفلول أمني وعسكري غير مسبوق، اعتقالات تعسفية بحق علّامات الدين والقيادات، واستقالات مفاجئة لا تبرير لها.

  

نزعات طائفية واقتتالات بين أبناء الشعب والملّة الواحدة، سببها "فنوة" من رجال زعموا باعتناقهم وتمسكهم منهج قائد الأمم نبي الله، إلّا أنّ أعمالهم وجورهم بحق العباد ينفي أي ارتباط لهم بما زعموا، إلّا أنّ الكثير تُبّعٍ لهم ومأخوذون بظواهرهم، فماذا لو كان رأس الأمر غاشاً! قد سببت الفتاوى الصادرة عن الهيئة الشرعية في السعودية، صدى وضجيج أهوج حيال ما أقرّته تجاه حركات التحرير والثورات المحاربة للكيان الصهيوني، حيث اتهمت وأقرّت عليها بـ "الإرهاب"، في الوقت الذي منعت فيه محاربة الصهاينة واليهود على سواء، ومحاسبة من يقف في طريقهم أو يتصدى لهم.

 
مع صمت علماء الدين وسكوتهم عن قرارات حكوماتهم، رغم اعتقال علماء آخرين، "نطقوا الحق، ومنهم من التزم الصمت"، فلا يرضي الحاكم سوى تهليلات وتأييد على منابر ذكر الله، حتى يرضوا، فقد نستطيع اختزال الأمر والقول بأنّ علماء أمتنا لا يستطيعون مفارقة ملوكهم "يخشون عدو الله"، ويتربعون المنابر مكتفين بالخطب حول بيانات الأمور، متغاضين عن حاجة الشعوب لتحفيزهم ودفعهم للتحرر من قيود العلمنة والضعف، ويسايرونهم بذكرهم إيّاهم وتعزيز فكرة الانقياد والطاعة لهم لدى الناس.

        
إنّ في صمت أعلام الدين عن تخاذل السلاطين وتعاونهم مع الصهاينة والمستعمرين، لشر ذمة أمر يقومون به، فقط في زماننا هذا، تستباح الدماء عند مآذننا، ويُشهر السلاح في وجه من نادى بـ "لا إله إلّا الله، ولا تضرّع لسواه"، حُكام يسعون للهيمنة الفكرية وإخضاع العقول لتعبدهم، يرون في الإسلام أسهل الطرق لنشب الحرب والنزعات الطائفية، يعتمدون على منطلق سيكولوجية البشرية، " إنَّ الإنسان بطبيعته يميل إلى ما يحفظ ذاته، ونوعه، وأنّ الدين ضرورة للإنسان راسخ فيه كغريزته تماماً"، ولأنّ هدف المستعمرين بتمركز في بقاع المسلمين، (سعياً للهيمنة على ثروات الشمال الإفريقي والجنوب الآسيوي، ولمحاربة الدين الإسلامي وتضليل الشعوب)، كان حثيث على الغرب وأعداء الدين استغراقهم فترات طويلة في البحث والتعقيب عن أهم الركائز التي تُوقع بذوي الدين في شباكهم، واستطاعوا.

  

الثورة ماتت، ومن يقل غير ذلك فهو بائس يعيش على ذكرى مضى عليها سبع سنوات، لا يمكن لها أن تحيا مرّة أخرى
الثورة ماتت، ومن يقل غير ذلك فهو بائس يعيش على ذكرى مضى عليها سبع سنوات، لا يمكن لها أن تحيا مرّة أخرى
 

تخوفات عديدة من مستقبل الثورة السورية، خاصة بعد اتهام علماء السعودية حركات التحرر الفلسطينية بـ "الإرهابية"، وهي تلك التي تحارب مستوطنون أغراب، انتهكوا حرماتهم وحرمة بيت المقدس، فماذا عن ثورة أبناء سورية؟ تعددت الحركات والفصائلية في سورية، وضاعت الفكرة معها، وتشرذمت الصفوف التي كان ينبغي أن تكون بنياناً في وجه الطغيان الأسدي، حيث انشغل الجميع في البحث عن طرق لتثبيط أنفسهم في المنطقة التي يسطون عليها، تاركين خلفهم ثغور وجبهات بحاجة لأسلحتهم وقيادتهم، إلّا أنهم رأوا إشهار السلاح في وجه عامة الناس لأمرٌّ هيّن، وأنّ الاقتتال في سبيل البقاء خيرٌ من السعي للقضاء على بواعث الظلم والجور.

  
الثورة ماتت، ومن يقل غير ذلك فهو بائس يعيش على ذكرى مضى عليها سبع سنوات، لا يمكن لها أن تحيا مرّة أخرى، منذ المرّة الأولى حينما أقرّت الإنسانية أنّ النظام السوري يقوم على حكم تعسفي، يقتل شعبه في سبيل الاستمرارية وتثبيط "قائدنا للأبد" قولاً وفعلاً، للحظة التي يقوم بها من زعموا أنّهم خرجوا لإسقاط هذا النظام، في سبيل الحق والحرية، يكررون تماماً ما قام به "قائدهم للأبد"، ويقتلون نفوساً أبرياء لأنهم خرجوا ينادون بوقف الاقتتال وكفهم أذاهم وجورهم، يؤلون الأمر على هواهم، ناسين قوام المؤمن، خشية الله لا العباد، "لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ".

  
نقع في الحيرة ذاتها في كلّ مرّة، من سيصغي ومن سيقتاد، والله جلّ جلاله يقول أهدي من أشاء وأضلّ من أشاء، قد يثقل الأمر علينا، لكننا سنظل متشرذمين ما دمنا نرفع قدر من يودي بنا للهلاك، ما دمنا نسمح للمرهصين برفع من يريد الحكم لنفسه لا لرفع الظلم، ما دمنا نحيد عن سنن وكتاب الله ونتبع الأرذلين في الأمر. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.