شعار قسم مدونات

عن أشباه الرجال في "شبه الدولة"!

blogs أم مطلقة

القضية ليست جديدة، بل متكررة وحزينة، رغم ذلك، كلما سمعتها بنسخة جديدة، تغلي الدماء في رأسي، وصدقاً أتمنى لو حباني الله تعالى بقوة خارقة مؤقتة، انتقم بها من هؤلاء الـ "أشباه الرجال"! (قبل أن أكمل، أتمنى أن يتنحى عن استكمال هذه المقالة هؤلاء الذين تتضخم مرارتهم الذكورية عند الحديث عن حقوق النساء، هذه المقالة ليست لهم)! والآن إلى القضية التي تشرحها ثلاثة قصص قصيرة، تخبرنا من هم "أشباه الرجال"!

 

القصة الأولى:

شابة نابهة، تنتمي لعائلة محترمة وميسورة، تقدم لها أحد الزملاء في نطاق عملها، وبالرغم من الفارق العمري والاجتماعي بينهما، حيث كان الرجل يكبرها بعشرين عاماً، وافقت على الارتباط به، ساعدها والدها في تجهيز شقة الزوجية، ووفى بواجباته كاملة تجاه ابنته. تزوجا، وأنجبا ولدين وفتاة. تمر السنوات، يسئ الزوج معاملة زوجته، يبخل في الإنفاق عليها وعلى أبنائه، تتكفل هي بما يقصر زوجها عن الوفاء به من نفقات، ومن ناحية أخرى، يتقدم الزوج في عمله، ويترقى من منصب لآخر، ويصبح شخصية مرموقة في المجتمع.

 

 أذاق الأب أبنائه مما أذاق منه أمهم سابقاً، فقصر في رعايتهم والإنفاق عليهم، فاضطرت الأم مرة أخرى أن تنفق عليهم جزئياً وهم في حضانته
 أذاق الأب أبنائه مما أذاق منه أمهم سابقاً، فقصر في رعايتهم والإنفاق عليهم، فاضطرت الأم مرة أخرى أن تنفق عليهم جزئياً وهم في حضانته
 

ولكن، لأن لكل شيء نهاية، تضيق الزوجة "ابنة أصول" بالحال، يثقل الألم قلبها، وتتزايد أعباء الحياة عليها. فتنفذ وصية "الست" أن "للصبر حدود"، تطلب الطلاق بعد عشرين عاماً من الزواج، فيأبى الزوج أن يفارق بإحسان. تذهب إلى المحكمة، وتحصل على الطلاق، مضحية بحقوقها المالية كلها، حتى تنتهي القصة المؤلمة، يحتفظ الزوج بشقة الزوجية، والأثاث، ويرفض دفع النفقة الشرعية، ويهددها بالتخلي التام عن مصروفات الأبناء إذا صممت على الاحتفاظ بحقها الشرعي في حضانتهم، فتتخلى مرغمة عن حضانة الأبناء، لعدم قدرتها على كفالتهم مالياً بصورة كاملة، إذا نفذ الزوج تهديده وتخلى عن الإنفاق.

 

للأسف، لم تنتهي القصة بالانفصال، فبعد أن تم، أذاق الأب أبنائه مما أذاق منه أمهم سابقاً، فقصر في رعايتهم والإنفاق عليهم، فاضطرت الأم مرة أخرى أن تنفق عليهم جزئياً وهم في حضانته، وبحثت عن عمل إضافي، لتضمن لهم الحصول على تعليم جيد، ووجدت سكناً جديد لها، وأعادت تأسيس حياتها، واستمرت في رعاية أبناءها على البعد، وسط ظروف مالية غير ميسورة، خاصة بعد وفاة والدها منذ سنوات. انتهت القصة، والسؤال هو: بالله عليكم كيف يمكن أن يُطلق على هذا الشخص لقب "رجل"؟

 

القصة الثانية:

طبيبان شابان، تزوجا وبدآ حياتهما البسيطة معاً، وكما هي العادة، فإن المرأة العاملة، أياً كان مجال عملها، لها أكثر من وظيفة، فهي زوجة وأم وعاملة! سار الطبيبان معاً في الحياة، توفى عن الزوجة والديها، وأصبح زوجها وبناتها الاثنتين هم "كل حياتها"، نثرت روحها ووقتها على أسرتها بكل إخلاص. وعندما ضاقت ظروف العمل في مصر، بحثت الطبيبة الماهرة عن فرصة عمل خارجها، وعندما وجدتها، وكانتا البنتين في المرحلة الثانوية، استأذنت زوجها في أن تسافر سعياً لمستقبل أفضل للجميع، بعد عناء وافق، وبمجرد وصولها للبلد الآخر، بحثت عن فرصة عمل له، ووجدتها، فلحق بهم ليجتمع شمل الأسرة.

 

تخلى
تخلى "الرجل" عن حضانة ابنتيه، وحاول كذلك التملص من الوفاء بمصروفاتهن التعليمية، رغم دخله المادي الميسور. والسؤال هنا يعيد نفسه: كيف يمكن لنا إلا أن نطلق على هذا الشخص "شبه رجل"؟
 

ماذا فعل "الرجل" الهمام عند ذلك؟ هل عبر عن امتنانه لزوجته وعاش شاكراً لربه على نعمة العمل والأسرة والزوجة الصالحة؟ للأسف، لا! قام بالبحث عن زوجة أخرى "كي تأتي له بالولد"، ووجد غايته في امرأة شابة من بلدته لم يسبق لها الزواج. في هدوء طلبت الطبيبة حقها في الفراق، لم يوافق الزوج، وسألها سؤالاً عجيباً: لماذا ترغبين في الطلاق؟ هل ستتزوجين بآخر بعد الانفصال؟ إذا لا، ماذا ستخسرين أن تبقي على ذمتي! وكأن لا مشاعر لهذه الزوجة كشريكة حياة وامرأة!

 

أصرت على حقها، ماطل في الطلاق وفي إعطائها وابنتيها حقوقهن المالية، فاضطرت أن تلجأ إلى قضاء البلد الغريب الذي كانت فيه، فسخر الله لها من غرباء هذه البلد من يقف بجانبها، ويدافع عن حقوقها وبناتها، وانتهى الأمر أن تخلى "الرجل" عن حضانة ابنتيه، وحاول كذلك التملص من الوفاء بمصروفاتهن التعليمية، رغم دخله المادي الميسور. والسؤال هنا يعيد نفسه: كيف يمكن لنا إلا أن نطلق على هذا الشخص "شبه رجل"؟

 

القصة الأخيرة:

لا تختلف كثيراً، زوج شحيح الأخلاق، سنوات صعبة يعقبها الطلاق، ويعقبها ما هو أصعب، قرر "الرجل" التوقف تماماً عن التواصل مع أبنائه، وليس فقط التوقف عن الإنفاق عليهم، فوض الأبناء، وهم ولدان وفتاة، أمرهم إلى ربهم، وأصبحوا يحسبون والدهم في عداد الأموات، بعد أن "رماهم" كما نقول في مصر، وتكفلت الزوجة الصالحة برعايتهم، بكل ما استلزمه الأمر من جهد شاق، مادي ومعنوي، وبقى يؤلمها في صمت أن الولدان ليس أمامهما من يأخذون منه "صفات الرجولة" ومعرفة ما يجب معرفته عن شؤون الرجال.

 

نعم عوض الله الأبناء خيراً في أمهم الصالحة التقية، التي تتمتع بحب واحترام الجميع، والتي توصف بأنها "ب 100 رجل" لمواقفها الأخلاقية الثابتة، في موقف تلون فيه الجميع، لكن بقيت مرارة ما فعل الأب حاضرة في نفسها ونفس أبنائها حتى بعد أن شبوا وتزوج بعضهم.

 

السابقون جميعاً ينتمون لهذه الفئة التي أطلق عليها اليوم "أشباه الرجال"، لكنهم في نفس الوقت ينتمون لمن يسمون "شخصيات عامة"، هم معروفون في دوائرهم، تنتفخ أوداجهم وهم يلقون النصائح عن الخير والصواب والحق أمام شاشات التلفاز في بعض الأحيان، بينما تبقى "خطيئتهم" الكبرى بما ارتكبوه في حق أبنائهم، سراً دفيناً تعرفه دائرة صغيرة من معارفهم، لأن قريناتهم السابقات، "بنات أصول" صابرات محتسبات.

 

هؤلاء الرجال هم معروفون في دوائرهم، تنتفخ أوداجهم وهم يلقون النصائح عن الخير والصواب والحق أمام شاشات التلفاز، بينما تبقى "خطيئتهم" الكبرى بما ارتكبوه بحق أبنائهم، سراً دفيناً تعرفه دائرة صغيرة من معارفهم

أخذني الغضب يوماً ما مما أسمع، واقترحت على إحداهن أن نقوم بحملات "تجريس" ضد "أشباه الرجال" هؤلاء فكان ردها: "وماذا عن الأولاد؟ ألن يؤذيهم الأمر فوق الإيذاء الحادث بالفعل؟ لن أسمح أن يتعرض أبنائي لمزيد من الألم مهما احتملت من أعباء!"

 

المؤلم، هو أن النماذج السابقة التي ذكرناها من "أشباه الرجال"، هم مجرد عينة صغيرة، من شريحة كبيرة تمتلئ بأسمائهم محكمة الأسرة في مصر. بينما القانون والشرع يعطون الزوجة السابقة والأبناء حقوقاً عديدة، منها المؤخر ونفقة العدة ونفقة المتعة والحق في قائمة المنقولات، كما أخبرني محام صديق، إضافة إلى حق الإنفاق على الأبناء طالما كان للأب دخل ثابت – يقره القانون المصري ما بين 35% إلى 40٪ من راتب الأب – لكن يبدو أن "أشباه الرجال" هؤلاء لهم طرقهم في التحايل على القانون، ومنها ادعاء الفقر وإنكار القدرة المالية.

 

الآن سؤال أخير: هل غرض هذه التدوينة هو السخرية من "أشباه الرجال" ووصفهم بما لا يحبون؟ في الحقيقة، إحم، نعم.. جزئياً! لأني أؤمن أن السخرية من الظالمين واجبة، و"أشباه الرجال" هؤلاء لم يظلموا زوجاتهم السابقات وأبناءهم فقط، وهو وحده ظلم عظيم، لكنهم كذلك ظلموا أنفسهم، ظلماً سيلاحقهم أحياءً وأمواتاً، فقد قصروا في القيام بواجبهم تجاه أبنائهم، فرطوا في جزء من انسانيتهم. فإذا لم يتعامل المرء بإنسانية كاملة مع أبنائه، فمع من يتعامل بإنسانيته إذن؟ والأمنية هي أنه إذا مر أحد "أشباه الرجال" بهذه السطور، أن يعيد التفكير في سلوكه مع أبنائه، وربما يساعده في ذلك أن يقارن بين رعاية الذكور في بعض "الحيوانات والطيور" لصغارهم، وبين سلوكه المشين، هو الذي ينتمي "لأرقى" المخلوقات، "الإنسان" الذي كرمه الله.

 

لكن للتدوينة غرض آخر، أهم من السخرية من "أشباه الرجال". هو الاحتفاء بالنماذج المذكورة من النساء، هؤلاء "البطلات" اللاتي رغم ما واجهنه من صعوبات، سعين لإكمال مهمتهن على أكمل وجه. هؤلاء" البطلات" لا ينتظرن تقديراً أو ألقاباً، كل منهن تكدح في صمت، وتمنح الحب، والرعاية، وتتحمل المسؤولية، في مجتمع مجحف بطبيعته في التعامل مع المرأة.

 

عزيزتي: أنت لا تصنعين من أبنائك بتضحياتك وكفاحك بشراً ناجحين فقط، أنت تصنعين الخير في كل من سيقابل هؤلاء الأبناء في مستقبل حياتهم. حرصك على توفير تعليم جيد لهم، والإغداق على قلوبهم بالمحبة غير المشروطة، وعنايتك ومتابعتك النفسية لهم، كل هذا بر دائم، فسائل طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن الله. كوني فخورة بنفسك، وثقي أن الحمل الذي يثقل رأسك، سيخف يوماً ما، وستحل محله أكاليل الغار، أمام الله، وأمام قلبك، وأمام أبناءك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.