شعار قسم مدونات

حياة تسر الصديق

مدونات - بحر غزة
فإما حياةٌ تُسر الصديق، وإما مماتٌ يغيظ، لطالما رددتُ ذلك وأنا طالبة عبر الإذاعة المدرسية، رددتُ ذلك دون أن أتوقفَ لأتذوقَ جمال المعاني التي قصدها الشاعر، كمعنى الكرامة وعزة النفس، ومعنى الحرية الكاملة لا المنقوصة، الحرية التي تشتيهيها الإنسانية لا تلك التي يُريدها الأسياد للعبيد!
       
نجح الشاعر الفلسطيني الراحل عبد الرحيم محمود، في إبقاء بيتِ شعره هذا متوقدًا في قلبي، يُشعلُ مشاعري بالتمردِ على كلِ ما هو قاتل للروح، كأن يحجرَ إنسان على حقِ أخيه الإنسان في أبسط حقوق الحياة ظلمًا وحقدًا وحسدًا، لأكبرَ ويكبرُ معي تشبثي بقوله الرائع "فإما حياةٌ تسرُ الصديق وإما مماتٌ يغيظ العدى" وعلى شاكلة بيته الشعري أقول "وإما مصالحة تسرُ الشعب وإما خصامٌ يُبقي على وجعِ القلب" أما أن يبقى المحاصرون في غزة ضحايا للإنقسام والمصالحة الفلسطينية معًا واقعٌ مؤلمٌ لا يُطاق، فتلك الاجتماعاتُ المكوكية بين الفصائل والمتحاورين التي ترعاها مصر، لم تجلب حتى الآن لاثني مليون محاصر سوى آمال حُبلى بمخاضٍ عسيرٍ قد تُنتجُ مولودًا ميتًا، أو تؤدي إلى إجهاضه قبل اكتمالِ نضوجه!
       
في غزة، عشقي الجميل، وحبي الأكبر، فيها تمردي وعزتي، وفيها مآسي لا حصر لها، تجعلني أصيحُ بأعلى صوتي، مثلما يصيح الديك الفصيح ليؤذن للناس قبل المؤذنين مناديًا قبل الفجر"الله أكبر يا مسلمين أنا مثله أقول كل يوم" الله أكبر يا منقسمين ويا متصالحين ويا متحاورين، الله أكبر على جلساتكم التي أرهقتنا، ووعوداتكم التي لم تُسفر حتى اللحظة إلا أحبالَ تعلقنا بها، لكنها قد تُوقعنا وتشنقنا وتطرحنا أرضًا من شدة ذوبانها.
         
الله أكبر وقد رأينا الوجع في رفح، وتراجع حركة سفر المرضى والطلبة والحالات الإنسانية لأجل نشاط تجارة تُجار السفر الذين يؤمنون بأن منطق التنسيقات والدفع مسبقًا هو المنطق الرائج لمن يرغبُ في النجاة بروحه وبدنه من البوابة السوداء والمدينة التي تعجُ بكل أشكال الأزمات، الله أكبر ولا جديد في ملفي الكهرباء والماء، ولاشيء واضح في ملف الموظفين، الله أكبر ولا حديث نسمعه سوى تمكين حكومة الوفاق، تمكينٌ نخشى ما نخشاه أن يكون مقايضة من أجل المساومة على سلاح المقاومة، الله أكبر وقد ذبنا في شاشات الإعلام، وشاختْ أبصارنا وهي تُحلقُ فيها بحثًا عن بصيصِ أملٍ يُضيء نفق المصالحة المظلم.
           

مكنوا بعضكم من بعضكم، وحلوا أزماتكم بعيدًا عنا، فلا دخل ولا شأن لنا في كلِ خلافاتكم، ليتولى أمرنا في الحكمِ من يتولى، الأهم ألا تُصاب حياتنا بالشلل، وأن نستشعرَ حلاوة الدنيا أسوةً بباقي البشر
مكنوا بعضكم من بعضكم، وحلوا أزماتكم بعيدًا عنا، فلا دخل ولا شأن لنا في كلِ خلافاتكم، ليتولى أمرنا في الحكمِ من يتولى، الأهم ألا تُصاب حياتنا بالشلل، وأن نستشعرَ حلاوة الدنيا أسوةً بباقي البشر
 

فهل من عادلٍ وهل من ناصرٍ وهل من إنسانٍ يُعطينا الأمل في الحياة الكريمة، يمنحنا بصيص نورٍ يُنهي تشاؤمنا، ويُعيد ثقتنا بكلِ وفودكم التي ما انفكتْ تروحُ وتغدو وتجيء من غزة وإلى القاهرة والعكس، نريدُ كلامًا دقيقًا وجدولاً زمنيًا واضحًا لتطبيق بنود اتفاق القاهرة الذي وُقع عام ألفين وأحد عشر، لا نريدُ منكم كلامًا جديدًا وحوارًا أكثر تجديدًا، نريدُ تنويرًا وتبصيرًا وصدقًا وأمانة، بدون اختراعِ مواضيع أخرى أو ابتكار نقاط كثيرة، فالشياطين وأعوانها تكمن في التفاصيل، فلا ثيروا تحركاتِهم ليُفسدوا عليكم صفاءً عانق قلوبكم ولو كذبًا.

         
جاملوا بعضكم وتجملوا بكلِ أشكالِ المصافحة والقبلات، وتنازلوا عن كبرياءِ مصالحكم المقيتة، وأريحوا قلوب المتعبين في بلدي، وقرروا بصدق أن تعودوا إلى حضنِ شعبكم، محققين آمالهم لا مخيبينها،عودوا إليهم بعيدًا عن التراشق الإعلامي، عودوا دون أن تخذلوهم، اصدقوا واثبتوا عند كلامكم بأنكم جادين في المصالحة، ونفذوا ونفذوا ونفذوا ولا تتحاوروا! لا تجعلوا التاريخ يلعنكم، ولا الأجيال تمقتكم، ولا القلوب تكرهكم، ولا الأرض تلفظكم، كونوا رجال ولا قيمة لرجولتكم مالم تخلصوا شعبكم من كل ويلات وقيود وذل الإنقسام بتحقيق مصالحة مشرفة، مصالحة تقولُ للتاريخ "لقد مروا من هنا وكانوا أهلاً للمسئولية!" لا نريد أن تعودوا بنا إلى فكاهةِ كل حوار، من أول البيضة أم الدجاجة؟ كأن تقولوا لنا تمكين الحكومة ثم الباقي؟
     
مكنوا بعضكم من بعضكم، وحلوا أزماتكم بعيدًا عنا، فلا دخل ولا شأن لنا في كلِ خلافاتكم، ليتولى أمرنا في الحكمِ من يتولى، الأهم أن لا تُصاب حياتنا بالشلل، وأن نستشعرَ حلاوة الدنيا أسوةً بباقي البشر، نتسامرُ ونقهقه ونعيشُ دون أن نتساءل عن حقوقنا الدنيا، الكهرباء والماء والراتب والسفر، فهذه يجبُ آلا نستجديها، تصالحوا وإلا اسمحوا لنا أو لا تسمحوا سندعو عليكم من قاعِ قلوبنا، بأن يأخذكم الله إلى الجحيم كما جعلتمونا نعيشُ حياةً تُشبه في مرارتها جحيم جهنم الحمراء، تصالحوا ولكن إياكم ثم إياكم ثم إياكم أن تقتربوا من سلاح المقاومة، فهذا خطٌ أحمر نفديه بأرواحنا، وإن كان سلاحها ثمنًا لمصالحتكم فلتذهب المصالحة إلى القبر، ونحن سنتولى تشييعها بدون رثاء، فهكذا مصالحة لا تستحق نعي ولا أسف ولا بكاء!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.