شعار قسم مدونات

مصر وتركيا.. تضارب في الرؤى الداخلية للتقارب

blogs إردوغان

تشهد تركيا حدادًا وطنيًا، الإثنين، تضامنا مع ضحايا الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدًا في سيناء، شمال شرقي مصر، الجمعة الماضي. الحداد، سيكون ليوم واحد، وسيشمل تنكيس الأعلام إلى النصف في عموم البلاد والممثليات التركية في الخارج.

بيان صادر عن المركز الإعلامي برئاسة الوزراء التركية

 

"80 مليون تركي يتشاركون آلام الشعب المصري"

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم

 

النائب العام المصري المستشار نبيل أحمد صادق أمر بتوقيف 29 شخصًا لمدة 15 يومًا احتياطيًا على ذمة التحقيقات لاتهامهم بالتخابر مع تركيا. تحريات المخابرات العامة كشفت عن اتفاق بين عناصر من أجهزة الأمن والمخابرات في تركيا مع عناصر من جماعة الإخوان على وضع مخطط لاستيلاء الجماعة على السلطة في مصر "عن طريق إرباك الأنظمة القائمة في مؤسسات الدولة المصرية بغية إسقاطها"وأضافت المصادر أن النيابة العامة كانت قد أمرت بتسجيل المحادثات الهاتفية واللقاءات والمراسلات التي أجراها المتهمون على مدى شهور، وكشفت هذه التسجيلات "عن حلقات من المخطط الآثم والمشاركين فيه".

بيان النيابة العامة المصرية بخصوص ما يُعرف بقضية التخابر مع تركيا

 

ثمة تضارب واضح في الرؤى الداخلية للأنظمة وأجنحتها المختلفة فيما يتعلق بالعلاقات المصرية التركية، بينما ترى الأجنحة الاقتصادية أن القطيعة السياسية لا طائل من ورائها

هذان موقفان يوضحان اضطراب العلاقات المصرية التركية منذ انقلاب الثالث من يوليو بعدما عزل الجيش المصري الرئيس الأسبق محمد مرسي، ورفضت تركيا الاعتراف بهذا الإجراء واعتبرته "انقلابًا عسكريًا". ومنذ ذلك اليوم يقف النظامان في هذه الأدوار البروتوكولية المضطربة بالتبادل تارة تعلن وزارة الخارجية المصرية شجبها وإدانتها للأعمال الإرهابية التي تضرب تركيا، وتارة يُعلن الأتراك إدانتهم للعمليات الإرهابية التي تضرب مصر.

 

بينما يظل الأداء الإعلامي المصري متفوقًا في الهجوم على نظيره التركي، محملًا الجانب التركي مسؤولية كل ما يحدث في مصر بدعوى دعم الأتراك لجماعة الإخوان المسلمين، فيما ظل الهجوم التركي المضاد مركزًا على عدم الاعتراف بشرعية النظام القائم في مصر، وصولًا إلى التسليم بالأمر الواقع والاكتفاء بتجاهل نظام السيسي.

 

لكن في الأيام الأخيرة توالت مواقف وتصريحات توضح اضطراب الرؤية الداخلية لدى كلا النظامين في مصر وتركيا تجاه مسألة العلاقات الثنائية المتوترة. في البداية يجب الإشارة إلى أن العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا لم تنقطع بالأساس رغم كل التراشقات السياسية، ويجدر الإشارة إلى أن الصادرات المصرية إلى تركيا ارتفعت خلال العام الماضي. رغم أن الميزان التجاري لا زال يميل لصالح تركيا بنسبة 60 %، حسب تصريحات إعلامية لرئيس الجانب المصري في مجلس الأعمال المصري التركي عادل لمعي، ذلك المجلس الذي أٌعيد تفعيله مؤخرًا.

 

في حين يرى رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك-المصريين أتيلا أتاسيفين أن "زيادة النشاط الاقتصادي والتجارة المتبادلة تمثلان وسيلة فعالة لتقريب المسافات وتشكيل ضغط على رجال الدولة لتجاوز خلافاتهم السياسية".

 

وقد أعلنت الجمعية قبل ذلك في شهر أكتوبر الماضي عن إطلاق أول مؤتمر اقتصادي "تركي- مصري" لها بتركيا، تحت شعار "هيا نصنع معا"، خلال الفترة من 26 نوفمبر وحتى 1 ديسمبر 2017، بالتعاون مع كل من الغرفة التجارية بمدينة كونيا التركية، ومجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية "دياك"، ووكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، وجمعية رجال الأعمال المصريين بالقاهرة.

 

 تجاهل الأتراك النظام المصري هو تطور إيجابي بعد هدوء نبرة التهجم عليه في المحافل المختلفة من الجانب التركي، وإن كان الموقف مرشح للاشتعال في أي وقت
 تجاهل الأتراك النظام المصري هو تطور إيجابي بعد هدوء نبرة التهجم عليه في المحافل المختلفة من الجانب التركي، وإن كان الموقف مرشح للاشتعال في أي وقت
 

فيما استضاف برنامج تليفزيوني مصري رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك، ومن المعروف جيدًا في الوقت الحالي أن النوافذ الإعلامية في مصر مجرد واجهات لأجهزة أمنية، ولا يمكن أن تسمح بظهور مثل هذه الشخصية على الإعلام دون أن يكون هناك مغزى ورسائل لذلك.

 

ولكن العجيب أن طرفًا داخل النظام المصري رد على هذه الإشارات التقاربية باتهام تركيا بتمويل ودعم شبكة تجسس في مصر، ولأول مرة تدخل المخابرات العامة المصرية على هذا الخط السياسي الذي اعتقل على إثره معارضين مصريين، واتهموا بالتخابر مع تركيا، بل ولأول مرة منذ الصراع في مصر تتدخل المخابرات العامة في صناعة قضايا للمعارضة، وتشارك في عمليات ضبطهم وإحضارهم.

 

ربما نستشف من هذه الرسائل المتبادلة وضدها أن ثمة تضارب واضح في الرؤى الداخلية للأنظمة وأجنحتها المختلفة فيما يتعلق بالعلاقات المصرية التركية، بينما ترى الأجنحة الاقتصادية أن القطيعة السياسية لا طائل من ورائها إذا أثرت سلبًا على العلاقات التجارية أو أعاقت نموها.

  

يمكن أن نرى المشهد في مصر ثمة جناح ربما يرى أن تترك الفرصة للاقتصاد لمداواة ما فعلته السياسة، لكنه على ما يبدو لم يستطع هذا الجناج أن يدفع رؤيته إلى الإمام أكثر

وقد تواترت أنباء خلال السنوات الماضية عن وجود وجهة نظر تركية داخلية لدى قطاع من رجال الأعمال بأن موقف السلطات السياسية من مصر "غير نافع" وإن كان "غير ضار"، بمعنى أن عودة العلاقات تدريجيًا أولى، بينما يرى الجناح السياسي الموالي لأردوغان أن ثمة موقف لا يمكن التراجع عنه في هذه المرحلة "إعلاميًا" على الأقل.

 

فيما يبدو أن تجاهل الأتراك النظام المصري هو تطور إيجابي بعد هدوء نبرة التهجم عليه في المحافل المختلفة من الجانب التركي، وإن كان الموقف مرشح للاشتعال في أي وقت، إلا أن مسؤولين أتراك صرحوا أكثر من مرة بعدم اكتراثهم كثيرًا بالوضع المصري حاليًا ضمن أجندة أولوياتهم الإقليمية.

 

بالمثل يمكن أن نرى المشهد في مصر ثمة جناح ربما يرى أن تترك الفرصة للاقتصاد لمداواة ما فعلته السياسة، لكنه على ما يبدو لم يستطع هذا الجناج أن يدفع رؤيته إلى الإمام أكثر، حتى ظهرت قضية تتهم تركيا بتكوين خلايا تجسس داخل مصر، وهذا تعبيرًا فيما يبدو من جهاز أمني لرؤيته للعلاقات مع تركيا.

 

من الواضح أن هناك تخبط في رؤية مستقبل العلاقة بين البلدين من الطرفين، وإن كانت هذه مجرد استقراءات للمشهد من خلال الأحداث والوقائع الأخيرة، التي تنحاز للنموذج التفسيري الذي يرجح أن ثمة وجهات نظر داخلية متضاربة هي التي أخرجت هذه المشاهد المتضادة بين التقارب والهجوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.