شعار قسم مدونات

أولسنا أحبابك

Blogs- مسجد المدينة
تساءلت كثيراً كيف لقاموسِ كلماتٍ أن يصفَ خيرَ خلقِ الله! كيف أمتدحك أنا الفقيرُ الكلام محدود الزمان والمكان. وقد مدحك من تعالى اسمه وتبارك ذكره رب الأرباب، "وإنّك لعلى خلق عظيم" خلقٌ عظيمٌ، وعدلٌ ثابت، وكرمٌ طيب، وسلامٌ حيّ بحق الإنسانيةِ التي جئت بها وسننتَها وأثبتَّ اكتمالها على مرّ الأزمان.

  
مقصرٌ بحقك يا رسولَ الله، وها أنا أعجزُ هنا عن وصفك، فماذا أقولُ فيك وقد فاتني العُمرُ فتأخرتُ عنكَ، فما كنتُ خديجةَ أو عائشةَ، ولا كنتُ حمزةَ وما كنتُ عليّاً، لم أفتدِك يا حبيبي بدمي ومالي وأهلي وبدني، ماذا أقول فيمَن يصلّي عليه ربُّ الأنام، ماذا أقول في رسولٍ ملَك الأفئدةَ، وانسابَ حبه في الروحِ كالروحٍ بلا استئذان.

 

ماذا أقول وقد فاتني العمر، فما شاءتِ الأقدارُ أن أشهدَ نورَ وجهِك الذي ملأ الدّنيا بدعوةٍ جئتَ بها لتُخرجَنا مِن الظلماتِ إلى النور. ماذا أقولُ فيكَ وأنا التي لم أحظَ بشرفِ لقائِك، ولا التقيتُ بأصحابِك، وفاتني القتالُ إلى جانبِك، ومداواةُ أحبابِك، ما تلقَّيتُ عنك شتائمَ الظالمين إليك، ولا ألمَ بطشِهم، وما حملتُ السيفَ لأقاتلَ معك، وما حاربتُ المسيئينَ وما رددْتُ مَن تطاولَ عليك، وما دافعتُ عنكَ يومَ تجمهروا لإيذائِك.

  

يا رسول الله، ما نقلتُ عنكَ حينَ بلّغتَ رسالتَك، وما جلستُ في حضرتكَ وما تسلّلتُ إلى مجالسِك وطربتُ بصوتك، ماذا أقول فيك وقد فاتني العمر، فما شيدتُ معك بناءَ مسجدِك، وما صلّيتُ في رحابِ إمامتِك، ولا تطيّبتُ بمسكِ عطرِك، وما رأيتُ استدارةَ وجهِك القمريّ حين تُسرُّ فتبتسمُ ليُشِعَّ بجمالِك.. ماذا أقول فيمَن مُدح اسمُه في عرض السماوات والأرض، فأنا العاجزُ عن وصفِكَ يا حبيبَ الله وأجملَ الخلائق.

  

ماذا أقولُ فيكَ وأنتَ هادي العالمينَ، ومخرجُهم مِن الظلُماتِ إلى النورِ، وأنا الإنسانُ المذنبُ والمقصّرُ على بابِك، أشكو إليك أننا ضللنا عن اتباعك
ماذا أقولُ فيكَ وأنتَ هادي العالمينَ، ومخرجُهم مِن الظلُماتِ إلى النورِ، وأنا الإنسانُ المذنبُ والمقصّرُ على بابِك، أشكو إليك أننا ضللنا عن اتباعك
 

يا رسولَ الله؛ ما هاجرتُ معكَ، ولا كنتُ من أنصارِك، ما بايعتُكَ على نصرتِك في حربِ الأحمرِ والأسود، ولا بايعتُك مع الأوسِ والخزرجِ على السمعِ والطاعة في العُسرِ واليُسر، وما رخصَ دمي بأُحدٍ وخيبر، أرجوا وصلَكَ، فليت عُمري كان يومَ ميلادك، يومَ أشرقَت نفحاتُ نورِكَ الأكوان، ماذا أقول فيك، وكلّ ما سأقوله قد قاله السابقون فقصّروا بحقك.

 

ماذا أقولُ فيكَ وأنتَ هادي العالمينَ، ومخرجُهم مِن الظلُماتِ إلى النورِ، وأنا الإنسانُ المذنبُ والمقصّرُ على بابِك، أشكو إليك أننا ضللنا عن اتباعك، أشكو إليك حالَنا بفقدِك فقد ضللنا عن طريقِك، أشكو إليك ضَعفنا وهوانَنا وتقصيرَنا في حقّ هدايتك، وأنت يا حبيبي جمّلتَ لنا دنيانا، وأكملتَ لنا دينَنا وعلمتَنا حقوقنا، وما وجبَ علينا وما لم يجِب، ما فُرض علينا وما لم يُفرض، تركتَ لنا منهجاً قويماً، وسراطاً مستقيماً، وسُنّة هاديةً. جعلتَ لنا اعتباراً واعتزازاً، وضللنا حين ابتعدنا عن سُنّتك.

  

أيكونُ الحبُّ بحجم السماء؟ طاهراً كطهرك، وحانياً كحنانك، وجميلاً كجمالِ صفاء اعتزازك بدينٍ أنارَ جُنح الظلامِ، فعبق شذاه وفاح في الأكوان. أؤمن بكَ ولم آلقكَ، فماذا أقول في حقّك؟ لم أصدفك يا رسولَ الله كمَن طابَ له لقاؤك، وطاب بي العُمر في انتظارِ بهاءك. ولكنّي أجري على خُطى سنتك وأعاهدكَ أن أتَّبعَها ما استطعت، كي تراك يوماً عيناي وأروي ظمأ شوقي إليك.. فإن كنتُ قد عجَزتُ أن أكونَ في زمنٍ كنتَ فيه، فلن أكونَ مقصّراً في حبّكَ واتباعِك، فأرزق بشفاعتك.

 
بكيتَ يومَ قالوا: ما يُبكيك يا رسول الله؟ قلت: اشتقتُ لأحبابي، قالوا: أَوَلسنا أحبابَك يا رسولَ الله؟ فقلتَ "لا، أنتم أصحابي أما أحبابي فقومٌ يأتونَ من بعدي يؤمنون بي ولم يروني" اشتقنا إليك حبيبنا… أولسنا أحبابك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.