شعار قسم مدونات

بايزيد وآخرون.. صناعة الوهم

blogs المخرج محمد بيازيد
تمسي مغمورا وتصبح مشهورا، والعكس، بقدرة السوشيال ميديا أو وسائل التواصل الاجتماعي. لا تعود أنت نفسك قبل الشهرة أو بعدها، ويتحمل الأمر الوجهين الإيجابي والسلبي، وفي قافلة المشهور/ة يسير المتابعون، يدينون بدينه، وينهجون نهجه، أو يكادون، فهو "المؤثر" ونحن "المتابعون" نمنحه هذه "السلطة".

وإذ تُعرف السلطة على أنها التأثير باستخدام القوة على مجموعة من الأفراد أو الجهات من خلال التحكم في القرارات، وفق مجموعة من الضوابط القانونية، فإنها أيضا تعرف بكونها توجيها للسلوك من خلال التأثير، و"التوجيه" هي السلطة التي يمتلكها اليوم "المؤثرون" على السوشيال ميديا، على حياتنا الواقعية وهنا مربط الفرس، الأشخاص وأفكارهم ليست بالضرورة عالما افتراضيا.

ويتحمل التأثير أيضا الوجهين، الإيجابي والسلبي، والأول نحن في حاجة إليه طالما لم يتحول إلى الثاني، لذا سأركز على الجانب السلبي للتأثير كمتابعة يمارس عليها بشكل يومي، طالما أنا مثل كثيرين منكم من المستعملين اليوميين للسوشيال ميديا حتى لا أقول المدمنين، وبشكل أكثر تركيزا على تأثير صفحات الأشخاص، فنحن سلفا تحت سلطة التأثير بدءا من الجمايل وغوغل… الخ.

عندما نضع لايك وفلووعلى صفحة، نحن لا نمنح صاحبها/صاحبتها تفويضا ليكون لسان حالنا، ومن ذلك جملة "إعادة التغريد لا تعني تبني الرأي"، لكن عندما تكون الصفحات مسلطة علينا وأنظارنا مسلطة عليها بشكل يومي، أو متواتر في قضايا وأمور ترتبط بتلك الشخصيات فنحن نتعرض للمقارنات فالاستيلاب ثم التوجيه.

في السوشيال ميديا نخلق أصنامنا التي
في السوشيال ميديا نخلق أصنامنا التي "تقودنا"! وقد ظهرت أمثلة كثيرة عن طينة هذه "القيادات" التي تتاجر في الوهم عبر الشهرة في مجالات مختلفة، آخرها لمحمد بيازيد، صانع الأفلام الوثائقية
 

وفي سعيه لتحديد مفهوم الاستيلاب، كتب الباحث عماد يوسف، أنه "وقوع الكائن العاقل، الذي يمتلك حيزا من التفكير العادي، والمتفاعل مع محيطه بالضرورة، في موقع الأسر الكلي، وشبه المطلق، لفكــرة ما، أو لمقدرة أكثر تأثيرا من مثيلاتها، بحيث تكون اللولب الجوهري الذي تدور في فلكه كل المسميات الأخرى، وبحيث تكون هذه المقدرة بمثابة الرأس الموجه، والذي يطلق العنان لأنفاسه التي تتلقفها ذوات أخرى ليست بنفس السوّية الفكرية، ولكنها بالضرورة متأثرة بما تتلقفه من المحيط الذي وقعت في أسره من كل الجوانب".

وقد جعل الفيلسوف جان جاك روسو، من الاستيلاب أساس نظرية العقد الاجتماعي، قائلا إن الفرد تحت الاستيلاب "يهب ذاته للجميع ولا يهبها لأي أحد" وهذا يحيلنا على خليط المعلومات والمعلومات المتضاربة على السوشيال ميديا التي تذهب بمتابعتك وتنبهك في كل اتجاه بالذات كما أنت ضائع وسطها جميعها.

وفي هذا الوسط نخلق أصنامنا التي "تقودنا"! وقد ظهرت أمثلة كثيرة عن طينة هذه "القيادات" التي تتاجر في الوهم عبر الشهرة في مجالات مختلفة، آخرها لمحمد بيازيد، صانع الأفلام الوثائقية، الذي ظهر أنه صانع أفلام بوليسية شخصية، ولن أدق أيضا مسمارا في نعشه، فالرجل لم يبق حوله صديق ولا رفيق لجلل ما قام به، وأظن زوجته الجندي الأخير في صفه، وهي بالمناسبة إحدى "المؤثرات" كما يقول المنطق الاستهلاكي بشأن عدد الفلوو على حساباتها، لكن لأقل أن ما تم توضيحه بشأن حادثته، جبر بعض الضرر النفسي الذي لحق بالكثير من أشقائنا السوريين بالتحديد، وقد روع لفترة مقامهم في إسطنبول، بالأخص وأن حادثة بايزيد جاءت أسابيعا قليلة بعد حادثة مؤلمة ومخيفة كانت ضحيتها الناشطة السورية عروبة بركات وابنتها الصحفية حلا، رحمة الله عليهما.

ودعوني ألفت انتباهكم إلى أنني أضع عمدا اسم بايزيد في عنوان تدوينتي، وأدرجه هنا، كتطبيق عملي صغير عن أن من بين ما قد يجذب لقراءتها، لا يأتي من "الخطب العظيم" الذي أتحدث عنه، وأكتبها في هزل لا يخلو من جد، بل هو هذا النهم لمتابعة ما يتعلق بهذا "المؤثر" (أو الذي كان مؤثرا، أيضا تبعا لاستهلاكية الفلوو) ولاتخاذ المواقف وتبني الأحكام بناء على كمّ التلقي، إنه من "مجتمع الفرجة" الذي تحدث عنه الفيلسوف جي ديبورفي كتابه "مجتمع الاستعراض"، ونحن نباع ونشترى رقميا في هذا المجتمع كمستهلك، وهذه قضية أخرى متصلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.