شعار قسم مدونات

وعود بلفور العربية

مدونات - بلفور وعد بلفور فلسطين

لم يكن وعد بلفور مجرد تصريح لوزير خارجية المملكة المتحدة آرثر جيمس بلفور قبل 100 عام فحسب، إذ أعلنت من خلاله الحكومة البريطانية للاتحاد الصهيوني عن دعمها لإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.

 

وعليه قامت سياسة بريطانيا الاستعمارية التي احتلت الأراضي العربية الفلسطينية بعد هذا الوعد بشهر واحد على زرع هذا الكيان السرطاني في الجسد العربي المفتت، ورعى الغرب مصالحه في مهده حتى اشتد عوده في صراعه مع العرب.

 

الشاهد وقتها أن العرب كانوا يقاومون قبل وبعد عقود من هذه الجريمة التاريخية التي ترفض بريطانيا الاعتراف بها حتى الآن، ولكن هذه المقاومة لوعد بلفور وتبعاته التي استمرت إلى ما بعد حرب أكتوبر تقريبًا، واتُخذ القرار العربي بإصدار "وعود بلفورية" عربية جديدة تحت شعارات السلام الزائفة.

 

تنازل العرب شيئًا فشيء عن الصراع الذي كان يجمعهم، وبدلًا عن استخدام مصطلح الصراع العربي الإسرائيلي، رأينا الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والمصري-الإسرائيلي، وهلم جرا.. إلى أن اعترف الجميع بالأمر الواقع "إسرائيل" ذاك الكيان الغاصب على وقع فشلنا السياسي الداخلي والعصابات العسكرية التي كانت تحكمنا تحت وطأة وذريعة الحرب مع الكيان الإسرائيلي.

 

هؤلاء الذين طلبوا من شعوبهم الصبر على ديكتاتوريتهم وفشلهم، ولا صوت يعلو فوق صوت معركتهم، هما الذين قادوا ما يُعرف بـ"السلام الدافئ" مع الكيان الغاصب، والذي يُعد كوعد بلفور ولكن هذه المرة جاء وعد عربي خالص.

 

عندما نتحدث عن الجريمة التاريخية المساة بـ
عندما نتحدث عن الجريمة التاريخية المساة بـ"وعد بلفور"، فلنعلم أن الشعوب العربية والإسلامية بعدها قاومت وخاضت حروبًا، ومنعها حفنة من العساكر الموتورين

ورغم ذهاب نضال أبناء الشعوب العربية وحلول مكانه الوعود البلفورية العربية التي قدمتها مصر في البداية وتبعتها غالبية الدول العربية، بقيت ديكتاتورية هذه الأنظمة الرثة التي توراثتها الأجيال بسوآتها، حيث ذهبت الحرب وبقي الاستبداد.

 

فخلفوا من بعدهم خلفًا لا زالوا على وعودهم البلفورية العربية، فيبحثون عن صفقة القرن، ويتفننون في كيفية تصفية القضية الفلسطينية، التي قاموا بعزلها عن الشعور والوجدان العربي، وأصبحنا أمام رجالات أنظمة يحجون إلى"تل أبيب" سرًا، بل ومنهم من لا يواري عورته في الأمم المتحدة، ويقطع وعودًا بتأمين "المواطن الإسرائيلي."

 

نحن أمام تعهدات عربية بخوض حروبًا إلى جانب الكيان الصهيوني على حركات مقاومة ودول عربية أخرى، نحن أمام تنسيقًا استخباراتيًا بين الكيان الإسرائيلي ومخابرات الدول العربية لم يسبق له مثيل، نحن أمام دهشة إسرائيلية من حجم التعاون التساهل العربي أمامهم، بالتأكيد لم يكن ثمن هذا في مخيلتهم منذ أن نشأ هذا الصراع.

 

فعندما نتحدث عن الجريمة التاريخية المساة بـ"وعد بلفور"، فلنعلم أن الشعوب العربية والإسلامية بعدها قاومت وخاضت حروبًا، ومنعها حفنة من العساكر الموتورين على رأس كراسي الحكم، من إحراز نصرًا يرد حقوقهم المسلوبة، والتي تواطأ عليها الشرق والغرب.

 

أما المصيبة والكارثة الآن، أنه لم يعد هناك ذلك الادعاء بوجود معركة أو صراع، وإنما أصبحت الوعود البلفورية العربية هي الأساس، ومن يخالفها سيتهم حتمًا بالإرهاب، إننا أمام نسخ إجرامية تاريخية مكررة من "وعد بلفور"، ولكن بأيدي أنظمتنا العربية، التي قتلت منا أكثر مما قُتل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ليت مصيبتنا وقفت عند الوعد البريطاني، إلا إن لدينا الآن ما يكفينا من خيانات الأنظمة العربية التي ربما فاقت جريمة هذا الوعد في ذكراه المئوية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.