شعار قسم مدونات

يا قدس.. لمثل هذا اليوم انتفضنا

Blogs- فلسطين
في الوقت الحالي الذي تُحاك فيه خيوط صفقة لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها وثوابتها التاريخية في ظل أنظمة عربية لم تكتف بنفض يدها من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، بل راحت تحافظ على بقائها بتحالفات معلنة وغير معلنة مع الكيان الصهيوني.
     
وعقب الإعلان عن تنفيذ "وعد ترامب" مؤخرًا الذي قطعه قبيل وصله إلى البيت الأبيض بالاعتراف بالقدس المحتلة كعاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، كخطوة أمريكية جديدة لشرعنة اغتصاب الحقوق الفلسطينية، تقف تلك الأنظمة العربية كعادتها موقف المتفرج غارقة في بيانات الشجب والإدانة البروتوكولية، التي لم تغني الفلسطينيين ولم تسمنهم من جوع، أثناء تفردهم بمواجهة آلة استيطانية متوحشة أكلت أخضرهم ويابسهم.
            
بل والأدهى والأمر من ذلك أن أنظمتنا رغم إدانتها الظاهرية لقرار ترامب، لا تريد ردود أفعال شعبية حقيقية تنتفض لأجل رفض هذا القرار ما يستتبع إحراجها لاتخاذ خطوات جدية في مواجهته، وهو ما لا تريده بالطبع. فنرى أنظمة العسكرتارية والمملوكيات الخاصة مطلقة لأجهزتها الأمنية العنان في الشارع العربي قبيل الفعاليات الشعبية المناصرة للقدس، وإن سمحت بهامش صغير يمكن السيطرة عليه بسهولة، إلا أنها لا تسمح للنبض الحقيقي للشارع العربي أن يظهر في مثل هذه المواقف، هذا النبض الذي يُخيل إليهم إن استردته الشعوب في مثل هذا الموقف، ربما تسترده فيما هو أبعد من ذلك (حقوقهم وحرياتهم المسلوبة)، فنجد بذلك أنظمتنا تخندقت شاءت أم أبت في خانة واحدة مع الكيان الإسرائيلي الغاصب الرافض لحرية شعوب المنطقة.
          
إن هذا الكيان يرى في تصريحات رسمية لقادته أن الرأي العام العربي -لا الحكومات العربية- هو الذي يقف عقبة أمام تنفيذ مخططاتهم، التي يسمونها بـ " السلام"، وهو ما يؤكد تماهي هذه الأنظمة مع الرؤية الإسرائيلية فيما يخص شعوب المنطقة.
        
إن الذي خرجنا لأجله في ثوراتنا كان من الأهمية بمكان لمستقبل هذه المنطقة وقضاياها التاريخية، ولم تكن مجرد انتفاضات عابرة داخلية، بل كانت تيار تغيير جذري لمعادلات الصراع بين الشعوب والجلادين
إن الذي خرجنا لأجله في ثوراتنا كان من الأهمية بمكان لمستقبل هذه المنطقة وقضاياها التاريخية، ولم تكن مجرد انتفاضات عابرة داخلية، بل كانت تيار تغيير جذري لمعادلات الصراع بين الشعوب والجلادين
 

لذا يمكننا القول بكل ثقة عند البحث عن إجابات حول لماذا وصلت المنطقة إلى هذه المرحلة من الصمت في ظل التصعيد الخطير الذي يشهده تاريخ القضية الفلسطينية، إذ أن هذه المنطقة اشتعلت كالجمر في أحداث أقل من هذه بكثير، فالإجابة واضحة للعيان إنها "أنظمة الخيانة" التي اتفقت مع ألد أعدائنا على أنه لا ديمقراطية أو حرية لهذه الشعوب التي إذا ما ثارت داخل أوطانها تُطالب بعد ذلك وتساند حقوق الشعب الفلسطيني.

         
فتجربة الربيع العربي التي يُحاول أرامل الثورات المضادة أن يحملوها وزر ما يحدث، هي التي وقفت مع القضية الفلسطينية عقب إسقاط الحزمة الأولى من ديكتاتوريات المنطقة، وانطلقت الفعاليات المناصرة للقضية على هامش مطالب الثورات، وعلت أعلام فلسطين في قلب ميادين الربيع العربي حتى آخر رمق. والواقع أثبت أن مطالب الربيع العربي كانت هي الأخطر والأكثر اتساقًا مع مسألة نصرة القضية الفلسطينية، فشعوب تطالب بامتلاك حريتها وكرامتها والعدالة الاجتماعية، هي الأولى بشهادة ميلاد مجتمعات حية تستطيع أن تتفاعل مع قضايا أمتها، وتطالب حكومتها وأنظمتها باتخاذ مواقف تليق بحجم قضية العرب التاريخية.
         
من لا يستطيع الآن التظاهر لانتزاع حقوقه الداخلية، سيصعب عليه كثيرًا أن يُطالب حكومته باتخاذ موقف جاد وصارم من قرار ترامب بشأن القدس، من لا يجد قوت يومه لا تنتظر منه الكثير بل علينا أن نعذره، من لا يمتلك كرامته في بلده، كيف سينادي بكرامة شعب فلسطين. إننا حينما خرجنا في 2011 إنما كان تحسبًا لمثل هذا اليوم، كانت انتفاضة الشعوب العربية للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية لا تنفصل كثيرًا عن مطالب نصرة القدس، إذ أن حرية الشعوب ستمكنهم من التفاعل مع أي تطورات في محيطهم الإقليمي.
             
أما اليوم فلا تفاعل إلا بما تسمح به السلطة التي لا يمكن أن تطالبها بما كان يمكنك فعله منذ 7 سنوات تقريبًا، والإجهاز الذي تم على هذه الموجة من الربيع العربي إنما خدم ويخدم رؤية الاحتلال الصهيوني في المنطقة، تلك المنطقة التي لا يريد رؤية شعوبها يملكون قرارهم يومًا ما.
                  
إن الذي خرجنا لأجله في ثوراتنا كان من الأهمية بمكان لمستقبل هذه المنطقة وقضاياها التاريخية، ولم تكن مجرد انتفاضات عابرة داخلية، بل كانت تيار تغيير جذري لمعادلات الصراع بين الشعوب والجلادين، فلا يستهونن أحدكم بما فعلناه، ولا يستهونن أحدكم بتبعات إخفاقنا، واعلموا أن أعداء هذه الشعوب وحريتها يستغلون فترة الانكسار الآن لتمرير مخططاتهم التي لم تكن لتمر في ظل ربيعكم الكبير، فلمثل هذا اليوم كانت انتفاضتنا. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.