شعار قسم مدونات

شفيق والسيسي.. عودة صراع الدولتين

Blogs- أحمد شفيق
في بداية شهر نوفمبر الماضي تسربت أخبار عن طلب الفريق أحمد شفيق العودة لمصر حمله قادة دولة الامارات لعبد الفتاح السيسي، وكان هذا الطلب مرفقاً بوعد من شفيق بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية على ألا يعترضه أحد أو يتم تلفيق أي تهم له وذلك بعد أن تم رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول، إلا أن هذا الطلب قد قابله السيسي بالرفض التام ومؤكداً على رغبته في بقاء شفيق في الإمارات حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية، كما طلب السيسي من حاملي الرسالة تحذير شفيق من التعليق على الأحداث في مصر أو توجيه هجوم أو انتقاد لطريقة إدارة البلاد، إلا أن شفيق لم ينصاع لتلك الأوامر ولا لرغبات قادة الامارات وقرر قلب الطاولة وإعلان ترشحه والدخول في صدام مع السيسي وقادة الامارات.
 

التسريبات السابقة والتي لم ينفها أي طرف من الأطراف رافقتها تسريبات أخرى تُفيد باستمرار رغبة شفيق في الترشح للرئاسة خاصة وأنه يرى تعاظم فرصه وسط الغضب المتصاعد من نظام السيسي إلا أنه رهن قرار ترشحه بالحصول على تعهدات واضحة من أطراف معينة بمساندته ملمحاً إلى أن هذه الأطراف تتنوع بين مؤسسات سيادية وأمنية واقتصادية، وعلى حين فجأة خرج رئيس الوزراء الأسبق وقائد القوات الجوية وأحد أشد المقربين من نظام مبارك مُعلناً نيته للترشح عبر فيديو مصور تبعه فيديو أخر يُعلن فيه منع السلطات الإماراتية له من السفر دون وجه حق وهو ما أغضب النظام الاماراتي وجعله في موقف حرج ليخرج بعدها وزير الدولة للشؤون الخارجية ويتهم شفيق بالكذب ونكران الجميل، فلما جازف شفيق بمعاداة الامارات وتعمد احراجها علناً إلا إذا كان قد تلقى تلك التطمينات التي كان ينتظرها؟ وفي ظل ندرة المعلومات المتاحة والدقيقة فإن الماضي قد يُجيب على أسئلة الحاضر.

 

قبل ثورة يناير 2011 كان هناك الكثير من القوى المتصارعة والخلافات الحادة داخل الأجهزة الأمنية والمؤسسات السيادية في مصر بين رئاسة جمهورية يتولاها العجوز مبارك وحرسه القديم من ناحية ونجله الطامح في الكرسي وحرسه الجديد من ناحية أخرى، وهناك يدهم الباطشة المتمثلة في وزارة الداخلية وجهاز أمن الدول أصحاب النفوذ الأكبر والطغيان الأشد في البلاد، وعلى جانب أخر جهاز المخابرات عامة الذي كان يقوده الرجل الحديدي صاحب النفوذ والأذرع الطويلة المقرب من الأب والرافض لتوريث الابن.

      

عقب الإطاحة بمحمد مرسي أخذ السيسي في تصفية جهاز المخابرات العامة من الولاءات القديمة ومراكز النفوذ داخله، وعلى مدار 4 سنوات ونصف تقريباً تم اخراج عشرات القيادات واستبدالهم
عقب الإطاحة بمحمد مرسي أخذ السيسي في تصفية جهاز المخابرات العامة من الولاءات القديمة ومراكز النفوذ داخله، وعلى مدار 4 سنوات ونصف تقريباً تم اخراج عشرات القيادات واستبدالهم
 

ومؤسسة عسكرية لها أجهزتها وحساباتها الخاصة، ولكن كان كل شيء يتجمع في النهاية في يد واحدة هي يد مبارك والذي كانت كل الخلافات تمر أمام عينه، حتى جاءت الثورة وهدمت رأس النظام ومعه يده الحديدية " الشرطة ومعها أمن الدولة" ليخرج إلى السطح صراع جديد حول من يرث هذا النظام، وخلال أشهر طويلة أعقبت الثورة حدثت سجالات وخلافات شديدة بين الجهازين المخابرات العامة والمخابرات الحربية واللذان كان بينهما خلافات قديمة اشدت وتكاثرت بعد سقوط النظام.

  

داخل المخابرات الحربية كان هناك من يخطط جيداً ويجمع الخيوط في يديه، ذلك الرجل الذي استولى على ملفات أمن الدولة وأصبح هو حلقة الوصل بين المجلس العسكري الحاكم في البلاد والقوى السياسية المتناحرة والذي كان بمثابة الفتى المدلل لوزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري والذي بشره بأنه سيكون خليفته بالرغم من انه يحتل المرتبة 154 في لائحة الأقدمية، وهناك الرجل الحديدي المخضرم رئيس المخابرات العامة لمدة 18 عاماً قبل أن يتقلد منصب نائب الرئيس لأيام معدودة، وكان لكل منهم حساباته ونفوذه وخططه والتي ظهرت بوضوح في انتخابات الرئاسة عام 2012 ليتم إخراج عمر سليمان من السباق وتقديم الفريق شفيق مكانه أمام مرشح جماعة الاخوان المسلمين.

 

ليخرج سليمان قبيل الانتخابات بأسابيع معلناً في حوار مع جهاد الخازن أن نجاح الدكتور محمد مرسي سيتبعه انقلاب عسكري مُحذراً من خطورة الحكم العسكري المباشر وهو نفس ما حذر منه في لقاءات عديدة، ليحدث ما كان يتوقعه فصعد الاخوان لسدة الحكم ثم انقلاب السيسي عليهم ودخول مصر في الشتاء العسكري المباشر ونجاح المخابرات الحربية في تسيد المشهد سياسياً وأمنياً واقتصاديا واعلاميا وخارجيا، إلا أنه من الواضح أن المعادلة بدأت في التغير.

 

عقب الإطاحة بمحمد مرسي أخذ السيسي في تصفية جهاز المخابرات العامة من الولاءات القديمة ومراكز النفوذ داخله، وعلى مدار 4 سنوات ونصف تقريباً تم اخراج عشرات القيادات ووكلاء الجهاز واستبدالهم بقيادات جديدة يضمن ولائهم لنفسه كان أبرزها تصعيد نجله محمود ليكون ذو نفوذ واسع ومسؤولا عن ملف الأمن الداخلي بالجهاز وفق ما نشره مركز يورشليم الإسرائيلي، بالتوازي مع تحجيم دور الجهاز في مقابل صعود جهاز المخابرات الحربية بيت السيسي القديم، إلا أن الفشل المتوالي للمخابرات الحربية خاصة في ملفات سيناء وغزة أعاد لمخابرات العامة من جديد إلى المشهد لتنجح بالفعل في ملف المصالحة في غزة ويتسع نفوذها شيئاً فشيء من جديد.

 

لا شك بأن شفيق هو ممثل دولة مبارك -لعدم قدرة مبارك ونجليه قانونيا على الترشح- بشرطتها وأجهزتها ورجال أعمالها والذين عانوا من خفوت شديد في عهد السيسي وهذا ما يقلق السيسي منه
لا شك بأن شفيق هو ممثل دولة مبارك -لعدم قدرة مبارك ونجليه قانونيا على الترشح- بشرطتها وأجهزتها ورجال أعمالها والذين عانوا من خفوت شديد في عهد السيسي وهذا ما يقلق السيسي منه
 

ذلك النفوذ الذي ربما يكون أحد مصادر قوة شفيق، أضف إلى ذلك تسيد القوات المسلحة والمخابرات الحربية على الأمور داخليا لتحتل المرتبة الأولى فوق جهاز الشرطة الذي عُرف عنه الغطرسة والكِبر والذي تلقى ضربة قوية في عملية الواحات كان يبدو خلالها أنه حاول التصرف منفرداً بعيدا عن الجيش الذي لم يقدم له الدعم الجوي الكافي لاحقاً وتخرج بعض الأقاويل والتلميحات عن ضرورة أن تكون جميع التحركات بقيادة وتحت نظر الجيش، وبلا شك فإن عودة نظام مبارك تعني عودة دولة الشرطة من جديد.

 

لا شك بأن شفيق هو ممثل دولة مبارك -لعدم قدرة مبارك ونجليه قانونيا على الترشح- بشرطتها وأجهزتها ورجال أعمالها والذين عانوا من خفوت شديد في عهد السيسي وهذا ما يقلق السيسي منه لأنها ستكون مواجهة بين نفوذين ومركزين للقوى وهو ما لا يعرف السيسي التعامل معه، هو يعرف جيداً كيف يتجبر على الضعيف وينسحق أمام القوي أما المواجهات المباشرة فهو أجبن من أن يخوها، ودخول شفيق السباق الرئاسي يعني أن هناك أكثر من قوة في أرض الملعب، كما أن نفوذ دولة مبارك خارجياً وعلاقتها الوطيدة بالمؤسسات الأمريكية مقابل ترنح ترامب حليف السيسي في البيت الأبيض وتصاعد فرص عزله وتصاعد الانتقادات لنظام السيسي في ملفات الأمن والاقتصاد وحقوق الانسان ومكافحة الإرهاب، وكذلك تقارب السيسي مع الخصم الروسي قد يدفعهم في التفكير في بديل جديد ولن يكون هناك أفضل من ابن النظام القديم والحليف الأول.

  

كل تلك الخيوط سيظهر مدى حقيقتها أو زيفها قريباً إلا أن الهجوم من الاعلام العباسي -أذرع اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي-يُشير بوضوح إلى مدى خوف السيسي من شفيق واعتباره خصماً قوياً في معركة الانتخابات القادمة وسيسعى السيسي بكل ما يملك من قوة من منعه من الدخول إلى السباق، وربما يتم الضغط عليه واخراجه بصفقة جديدة كالتي تمت في 2012 مع عمر سليمان، إلا أن تحركات شفيق ومواقفه الأخيرة بالتزامن مع الظهور المتكرر لآل مبارك يفصح بوضوح عن إصرار الدولة القديمة على العودة مرة أخرى للحياة على حساب دولة السيسي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.