شعار قسم مدونات

في وداع شادية!

Blogs- شادية
أنا حزينه وبائسة وكئيبة منذ سمعت خبر وفاة الفنانة شادية وانتقال روحها للرفيق الأعلى، حزينة فقد صدمت مرتين حين سمعت خبر الوفاة؛ الأولى لأنني لم أكن لأعرف أنها على قيد الحياة بعد! والثانية أن جمهورها تذكرها وتغنى بها بعد خبر الوفاة!

  

حقيقة أني لم أكن أعلم أنها على قيد الحياة توجعني وتذكرني بكم المبدعين من الفنانيين والأدباء والكتاب والمفكرين الذين لا نعلم أنهم لا يزالوا على قيد الحياة، بالرغم من أننا نستمتع بفنهم، وأدبهم، وقراءة فكرهم كل يوم ونتداوله بيننا وننشره على مواقع التواصل الاجتماعي، كنت أظن أني الوحيدة المهملة بالثقافة الفنية من هذا النوع والمقصرة بحق السيما المصرية لأنني صدمت بخبر حياتها وقت الممات! ولكني عبرت عن هذه الصدمة بمنشور فيسبوك تفاجأت من كم الناس التي صدمت لذات الخبر أكثر من خبر الوفاة نفسها.

  

حزينة أنا يا شادية! حزينة لردود فعلنا على الحياة أكثر من درودنا على الموت! حزينة، فأنا لا أعلم من التالي الذي سنصدم به! حزينة لتحققي من المثل الفلسطيني الذي يردده جدي دائما "اللي بموت بتطول رجليه بهالبلد" فهذه أصبحت حقيقة، فتداول الناس لخبر وفاتك ونشر مقاطع اليوتيوب بشكل كثيف وتغني الناس بصوتك وألحانه وجمالك في هذا الوقت وبهذا الشكل يؤكد أن في هذا العالم اللعين لا نتذكر الكثيرون إلا في وقت الموت!

  

العجيب الصادم حقا في أمر الناس هو تبنيهم للمواقف بسهولة، فلا أعلم إن كان فعلا كل من تفاعل مع خبر وفاة شادية بعلم فعلا أنها على قيد الحياة طوال الفترة الماضية، تفاعل الناس بصفة جمعية مع الخبر مؤشر سيء على ظاهرة العقل الجمعي التي تسيطر علينا في مجتمعياً، فكم من الأشخاص عبروا فعلا عن أنهم لا يعملون أساسا بأنك على قيد الحياة!

 

فعليا أصبح حتى الذوق الموسيقي ومشاعرنا حيال الموت، والحياة، والموسيقى وكل التفاصيل منقول ومتوارث وفي الغالب لا يعبر عننا فعليا! وهذا ظهر جلياً عند موت شادية
فعليا أصبح حتى الذوق الموسيقي ومشاعرنا حيال الموت، والحياة، والموسيقى وكل التفاصيل منقول ومتوارث وفي الغالب لا يعبر عننا فعليا! وهذا ظهر جلياً عند موت شادية
 

من فترة قصيرة، توفي الشاب معاذ الحاج من قطاع غزة، معاذ شاب فنان وموهوب يعبر عن مشاعره برسومات تعبيره ونصوص قوية بسيطة، لم أذكر قبل وفاته أن سمعنا باسمه أو عن تمجيد الناس له، ولكن فور انتشار خبر وفاة معاذ حتى تبنى الناس فنه ونشروا صوره ورسوماته بكثافة غريبة! عدا عن حجم الناس الذين أكدوا أنهم كانوا أصدقاء صدوقين لهم!

  

ظاهرة العقل الجمعي التي تسيطر على أفراد المجتمع في هذه المواقف تلغي كل مبادئ التفكير وإعمال العقل التي من المفترض أنها تزداد كلما زاد وعي الناس ووعي المجتمع وعليه تتنوع الأفكار ويزيد غناها، إلا أنه وفي حالتنا تنحصر آليات التفكير بطريقة تبني كل شيء يتبناه المجتمع المحيط، فمن منا مثلا يستطيع أن يقول إن صوت أم كلثوم رديء! أظنهم قليلون جداً، فعليا أصبح حتى الذوق الموسيقي ومشاعرنا حيال الموت، والحياة، والموسيقى وكل التفاصيل منقول ومتوارث وفي الغالب لا يعبر عننا فعليا! لأنه لو حاولنا تذوق موسيقى أم كلثوم على انفراد دونما أن نسمع رأي المجتمع المتوارث بها لربما كان لدينا رأي آخر، ولربما شتمناها أو عبرنا عن استيائنا من هذا النوع من الموسيقى كما نفعل أحياناً مع بعض الأغاني الحديثة التي نسمعها!

  

اعتراضي على ظاهرة العقل الجمعي لا يتأتى أبداً لتشجيعي لظاهرة ال "هيبسترز" وهم الفئة الذين يعترضون على كل الظواهر الجمعية بسبب وبدون سبب، ففي سياقي هذا وكل السياقات التي تطرح مواقف يتبناها الجمع دون تفكير وتأني تحمل نفس خطورة الاعتراض على كل شيء بلا سبب، فكلاهما مجحف بحق العقل الذي نحمل، وعليه الاعتدال والوسطية والاعتماد على المنطق و"الفردانية" في تكوين الأفكار والمواقف الشخصية مع الأخذ بعين الاعتبار الآراء المجتمعية والمحيطة لنسطيع نقدها وتكوين وجهة نظر حقيقة ومنطقية هو الأكثر منطقية في سياقنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.