شعار قسم مدونات

في ذكرى الثورة اليمنية.. هل هناك ما يستحق الاحتفال؟

Pro-Yemeni government people attend a ceremony marking the 52nd anniversary of the 14 October Revolution which defeated out the British colonial rule from South Yemen, in Taiz city, Yemen, 14 October 2015. According to reports, Yemenis marked the 52nd anniversary of the 14th October Revolution against the British colonial rule in south Yemen, despite the conflict and Saudi-led military operations rage in the war-torn country for seven months.
ست سنوات مرت على حركة الربيع العربي التي اجتاحت عدد من الدول العربية، ولم تقتصر انعكاسات تلك الأحداث على دول الربيع فحسب؛ بل شملت كل دول المنطقة بلا استثناء، حتى الدول الكبرى في العالم اتخذت قرارات استراتيجية فيما يتعلق بسياستها الخارجية على الأقل كردة فعل على ما حدث في بلدان الربيع.
 

هناك سؤال يطل برأسه كلما مرت علينا ذكرى الربيع، هذا السؤال هو: هل نستطيع الحكم على حركة الربيع العربي بالفشل أو النجاح؟ هل المشهد السوداوي الذي نلاحظه اليوم يجعل من المُجدي طرح سؤال من هذا النوع؟ ألا يكفي أن نتابع نشرة أخبارٍ واحدة اليوم لتجيب علينا أن الفشل الذريع هو الحكم الموضوعي على ما حدث في بلدان الربيع العربي؟
 

سوف أتجاوز البعد السياسي لحركة الربيع العربي وأركز على التغيير الذي أفترض أن شيئا منه قد حصل في ذهنية الإنسان العربي والسؤال الذي سأحاول الإجابة عليه تحديدا في هذه التدوينه هو: هل أنجز الربيع العربي أهدافاً صلبة؟ وبمعنى آخر هل تحققت بعض شروط التحول الاجتماعي رغم كل ما حدث وما سيحدث؟ هل استطاعت تلك الميادين أن تنجز ولو خطوة واحدة في اتجاه التغيير المنشود التي عبرت عنه بشعارات الحرية والكرامة والعدالة والمساواة؟
 

إذا ما قمنا بعمل مقارنة بين الصورة الذهنية للحاكم في لا وعي الإنسان العربي قبل الربيع العربي، وبين ذات الصورة بعد الربيع العربي؛ سنجد أن فكرة القداسة التي كانت تحيط بالحاكم قد سقطت.

للإجابة على هذا السؤال نحتاج أولاً لتعريف حركة الربيع العربي ووضعها في سياقها الاجتماعي والفكري بعيداً عن اختزالها فقط في السياق السياسي. من يتأمل تلك الفترة سيجد أن هناك صراعٌ واضحٌ وجلي بين فكرتين:
صراعٌ بين ماضٍ يستميت من أجل البقاء ومستقبل يتخلّق بقوة وإصرار، صراع بين الماضي بكل ما يمتلكه من قداسة وتحالفات وبين المستقبل وما يحمله من طموح وخيال وتوق نحو المستقبل، تجسدت فكرة المستقبل من خلال تلك الثلة الشبابية التي أثبتت بالقول والفعل بل والتضحية أنها لم تعد قابلة للتعايش مع الوضع الراهن مهما كلفها الثمن.
 

وتجسدت فكرة الماضي من خلال المستبدين والحاشية المحيطة بهم واللوبيات المستفيدة من بقاء هؤلاء على كرسي الحكم، واختار جزء من الشعب أن يقف مع هؤلاء المستبدين، جبهة الماضي كذلك أبدت مقاومة شرسة ومازالت أشكال هذه المقاومة تتفاعل مع الأحداث حتى هذه اللحظة. وتكتل القديم ضد أي فكرة جديدة هي سنةٌ تكررت كثيراً في تاريخ الثورات، فهذه حنة أرندت في كتابها "في الثورة" في سياق حديثها عن الثورات الفرنسية والروسية والأمريكية تكتب "إن الشعوب المضطهدة غالباً ما تقوم بتمرد وإن الكثير من التشريعات القديمة جاءت للتحوط ضد انتفاضات العبيد".
 

انطلاقا من التعريف الذي أوردناه لحركة الربيع العربي أفترض أن هناك ثلاثة أفكار حققتها حركة الربيع العربي:
الفكرة الأولى:
إذا ما قمنا بعمل مقارنة بين الصورة الذهنية للحاكم في لا وعي الإنسان العربي قبل الربيع العربي، وبين ذات الصورة بعد الربيع العربي؛ سنجد أن فكرة القداسة التي كانت تحيط بالحاكم قد سقطت، صورة مبارك خلف القضبان على سبيل المثال أسقطت هالة التعظيم والتضخيم، حتى وإن عاد مبارك للحكم مرة أخرى؛ فلن تعود معه فكرة الحاكم بقداستها التي كانت راسخة في ذهن المواطن العربي قبل الربيع.

إن تلك اللقطة فعلت في عقول الجماهير وقلوبهم فعلاً بليغاً، فكيف إذا أضفنا الى تلك اللقطة صورة معمر القذافي، بتلك النهاية التراجيدية، وكذلك وجه على عبدلله صالح المحروق -بغض النظر بالطبع عن الجانب الأخلاقي لتلك الأفعال- إلا أنها أسقطت تماماً تلك الهالة التي استماتت المؤسسات الإعلامية المحيطة بالمستبدين إن تضخمها عقوداً من الزمن. سقوط هذه الهالة يشكل باعتقادي أحد أهم شروط واستحقاقات التحول الاجتماعي.
 

كانت لدى المجتمعات العربية الكثير مما يمكن تسميته "بالعوائق الخفية" التي تحول دون تحقيق دولة المؤسسات، نستطيع القول إننا كشعوب انكشفنا أمام أنفسنا.

الفكرة الثانية:
المجتمعات العربية كانت بحاجة أن تختبر ذاتها وإمكانية قدرتها على الفعل، وقد كان لها ذلك، لأول مرة يصبح لصوت الجماهير كل هذا الصدى، كان الربيع العربي هو الفعل وما حدث ويحدث حتى الآن هو ردة فعل، في سياق التحولات الاجتماعية تحتاج المجتمعات أن تستعيد ثقتها وأن تتأكد من أن لحركتها أثر.
 

الفكرة الثالثة:
كانت لدى المجتمعات العربية الكثير مما يمكن تسميته "بالعوائق الخفية" التي تحول دون تحقيق دولة المؤسسات. الدولة التي تكفل الحقوق الاجتماعية والسياسية للمواطن العربي، نستطيع القول إننا كشعوب انكشفنا أمام أنفسنا. لو أخذنا على سبيل المثال المشهد اليمني؛ فلم يكن علي عبد الله صالح هو العائق الوحيد بل كان العائق الظاهر، استطاعت حركة الربيع في اليمن أن تكشف لنا عن مشكلة الحوثيين مثلاً، وفي ليبيا مثلاً لم يكن العائق نحو التحول الاجتماعي هو معمر القذافي ونظامه فقط وإنما ظهرت الكثير من الإشكاليات الاجتماعية المعيقة، وهكذا في كل بلدان الربيع العربي ظهرت على السطح كثير من الملفات التي كانت غائبة عنّا وباعتقادي أن هذا شرط مهم من شروط التحول الاجتماعي.

هذه الثلاث أفكار أزعم أنها تحققت إلى حد كبير، وسيكون لها دور في تشكيل ورسم ملامح المستقبل، مهما بدت الصورة قاتمة في الوقت الراهن. وستبقى المجتمعات العربية أمام اختبار الانحياز للمستقبل، وحتى تنجح في اختبار كهذا لا شك اننها ستدفع الكثير لتتمكن من تحقيق شروط واستحقاقات العبور نحو المستقبل.

وحتى لا يقول البعض أن هذا المنطق قد يبدو مثالياً سوف أختم بمثال واضح للعيان يؤكد ما ذهبت إليه انطلقت الثورة في اليمن: كان الإقليم متوجساً، تتابعت الأحداث وتصارعت الأفكار حتى أصبح اليوم الإقليم برمته يقاتل في صف الثورة ضد أعتى من وقف ضدها سواء صالح الذي يستميت في إفشالها أو الحوثيين الذين حاولوا استغلالها لصالح مشروعهم الطائفي، هذا مثال واضح يؤكد وجهة النظر التي ذكرتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.