شعار قسم مدونات

كم طفلاً ستنجبون؟

blogs- طفل
أمرّ على ورقات التقويم السنوي وأبدأ بحساب الأشهر وأنا أفكر في الأمر بعمق: كم طفلاً سننجب إلى هذا العالم خلال الأعوام القادمة؟ هل اثنان عدد مثالي فعلاً؟ ثلاثة ربما أفضل؟ أم أكثر؟ نناقش الأمر أنا وزوجي تقريباً كل يوم، يمازحني بالزواج بأخرى تنجب له بقية عدد الأطفال الذي يريده.. "أنتِ ربي البنتان وما عليكي".. وفي كل مرة أضحك على تكرار النكتة أكثر من النكتة نفسها؟

وأعترف؛ كان اتفاقنا قبل الزواج على عدد معقول من الأطفال، أربعة كفاية.. ولو كانت الظروف تسمح نستمر بالإنجاب.. أليس كلانا يعشق العائلة الكبيرة والتي تضج بالحياة؟ "نعم؟؟" تصرخ بي صديقتي: "أربعة كثير، هل تعرفين كيف ستكون عليه الدراسة الجامعية بعد 20 عاماً؟ هل ستتمكنون من تأمين دراستهم قبل ذلك في مدارس محترمة، هل تعرفين أنني وزوجي نعمل وراتبنا كله يذهب لرسوم مدارس طفلينا وأننا لا نجد قرشاً واحداً نوفره من أجل قسط شراء شقة مثلاً؟ مجنونة أنتي؟؟".

يذهب تفكيري في البيت كيف يبدو عندما يكبرون ووجوههم تملؤ قلبي بالحبّ، أربعة أطفال يعيثون فيه لعباً وشغباً وحياة: "ماذا تقولين أنتي، الرزق على الله وكل مخلوق يولد ورزقه معه.. ليس هذا ما يقلقني أصلاً، ليس الوضع المادي ولا كيف ستُدبر الأمور الماليةً".
 

أجدني مقتنعة بعدد لن يقل عن أربعة أطفال، فلا التعب اليومي يثنيني ولا فكرة الأعباء المادية المستقبلية تجعلني أتردد، ولا مسألة التربية الصعبة توقفني، فمجرد صورة البيت ممتلئ بالحركة ومفعماً بالحياة ترويني.

تنتفض في محاولة لكسب رأيها: "اسمعي.. زمان كان الأطفال يربون بعضهم، يكبر هذا فيأتي الذي بعده ليربيه الأكبر منه ويلاعبه وأحياناً يدرسه بينما تقوم الأم بمهامها من طبيخ وغسيل وشرحه.. اليوم الأم لا وقت لها أصلا للطفل الأول فكيف بالطفل الثاني والثالث والرابع؟ العمل هدّ حيلنا والمال لا بركة فيه، والحكومة لا همّ لها سوى رفع الأسعار، أتعلمين كم شقينا حتى نجد مدرسة محترمة بسعر متوسط للأولاد.. حفينا بمعنى الكلمة.. وأنتي تريدين إنجاب أربعة؟ أنجبي عشرة يا عزيزتي وسأدعو لك ليل نهار، المسألة كبيرة.. تربية ووقت.. مصروف ومقدرة على التحمل، من أين سنأتي بكل هذا"..
 

لا أذكر أنني خرجت بنتيجة مقنعة، إنما التفكير في الأمر لا ينتهي، وبخاصة عندما تبدأ التخيلات بوجود أرواح جديدة تجلبها بإرادتك وتضعها في عالمك أنت، في بيتك وتحت مسؤوليتك أنت، كيف ستكون حياتك خلال ذلك وكيف ستسيّر الأمور مع شريكك أو شريكتك لتقودا السفينة كما يقال بقوة مستمرة وبدون ضعف.
 

ولا يبدو الموضوع مزحة أو صورة مضحكة لأم منهكة منكوشة الشعر يحيط بها أطفالها من كل مكان حتى تكاد تختنق من الزحمة، أو صورة ساخرة لأب جيوبه تبدو خارج بنطاله وهو يحمل الطعام ولوازم البيت ويكاد يبكي.. إنها بالفعل مسألة مصيرية ينبغي الحرص على التفكير والتخطيط لها بحنكة وجدية.. ولكن هل لنا نحن معشر الأزواج والزوجات من الجيل الجديد تلك الحنكة وتلك القدرة على التخطيط؟
 

قبل أيام كنت في إحدى المراكز الطبية ودخلتُ في نقاش مع الطبيبة حول الأطفال وكيف يشغلون أوقاتنا بدون راحة.. فأخبرتني عن ابنتها ذات الأربعة أعوام، وأنها اكتفت بطفلة واحدة لأن "Life is very expensive" وهي تقصد بذلك الحياة الأمريكية، ولم يكن هناك متسع من الوقت لأعلق على عبارتها، إلا أنني أعرف كم أن هذا الأمر يؤرق غالبية العائلات الجديدة في عالمنا العربي، والتي تعيد الأمور غالباً للمسألة المادية وصعوبة المعيشة في ظل ظروف اقتصادية لا تبشر في الخير في منطقتنا، وهي ربما أهم ما يجبرهم على الاكتفاء بعدد معين من الأطفال قد لا يزيد فعلا عن اثنين إلى جانب أسباب اجتماعية أخرى.
 

أرقام!
وحتى لا أتحدث عن مجرد ملاحظات شخصية، فإنني بحثت عن إحصائيات حديثة تشير إلى عدد أفراد الأسرة العربية بالعموم أو أرقام تتحدث عن توجه الأزواج الجدد لعدد الأبناء المرغوب به، لكنها كانت شحيحة وأغلبها قديم، وقد وجدت تقريراً للتعداد العام للسكان والمساكن ودراسة لشركة إبسوس للتحليل والدراسات يقول: إن معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة في الأردن بلغ 4.82 فرد ولكن في عام 2014، كما وجدت في تقرير مصري أن أكثر من ثلث عدد الأسر أي ما يبلغ نسبتهم 37% يتراوح عدد الأفراد بها بين 3 إلى 4 أفراد، أما في السعودية فإن تقريراً صحفًيا لموقع العربية أشار الى أن الأسر الحديثة بدأت تفضل عدد أطفال من واحد إلى ثلاثة وليس أكثر.

وقد رصدت عوامل متعددة بينت أسباباً عامة لتقليص الرغبة بالإنجاب وأولها وأهمها الغلاء والأسباب المادية، إضافة إلى الخوف من المسؤولية التربوية، وأسباب أخرى تتعلق بالرغبة بالعمل والطموح والسفر المستمر الذي قد يعيقه وجود أبناء كثر. في أمريكا نصف الأمريكيين يعتقدون أن طفلين هو العدد المثالي للعائلة وفق مؤسسة باو الأمريكية للبحوث، وهذا يعود أولاً وقبل كل شيء للعامل الاقتصادي وتفكيرهم في التعليم الجامعي المكلف وقبل ذلك في طبيعة الحياة الاستهلاكية اليومية، وقد يقررون التخلي عن فكرة الإنجاب أحياناً لهذا السبب الرئيسي. وشئنا أم أبينا فإن هذا بدأ يُلاحظ في عالما العربي، فقد بدأ التوجه عند العديد من الأزواج الجدد إلى الاكتفاء بطفل أو طفلين ومنهم من يؤجل الإنجاب إلى حين الاستقرار المادي والنفسي والذي قد يطول.
 

لكن أزواج آخرين ما يزالون مترددين بالاستمرار بالإنجاب بعد طفل أو طفلين، ويفكرون كثيراً بعد أن عايشا واقع الحال المادية والاجتماعية وأعباء التربية وتحدياتها والتي تشكل هماً كبيراً ثقيلا على قلبيهما، وخاصة في ظل واقع الحياة وطبيعتها وأسلوب العيش المدني الجاف وسيطرة التكنولوجيا على كل شيء فيها، ما يجعل الأمر مستصعباً أكثر في عقول الآباء والأمهات.
 

العالم تغير ولكن.. تكاثروا!
فكرة أن العالم بالفعل قد تغير، وأننا تربينا في بيئة مختلفة تماماً عن البيئة الحالية، وأن طرق التربية القديمة كلها نُسفت نسفاً لتحل محلها طرق ووسائل أخرى جديدة وفي كثير من الأحيان يستصعب الآباء تطبيقها لأنها تأخذ الكثير من الوقت والجهد، وهو ما لا يتوفر لهم أو لنقل لا يوفرونه لأبنائهم.
 

أنا على ثقة أن طفلاً وحتى طفلان لن يسدا رمقكم وعطشكم لفكرة امتداد النسل واستمراريته، ولا عدم الإنجاب سيجعلكم أكثر سعادة وإنجازاً وابتهاجاً في الحياة عندما يهرم العمر.

فكرة الخوف من المستقبل المُبهم في المنطقة الذي ما كان يؤرق أهالينا وهم يربونا أبداً في الماضي، تقف إلى جانب الهمّ المادي الذي يتعاظم كلما كبر الطفل وزادت طلباته ومتطلباته، هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى قد لا يكترث لها أزواج آخرين وهي العمل والسفر والدراسة وتحقيق نجاح معين في مضمار معين.

ويتحكم العمر وتأخر سن الزواج في غالبية الدول العربية أيضاً في مسألة الإنجاب، رغم أن غالبية العائلات المتدينة ترفض فكرة تحديد النسل المحرمة شرعاً أي التوقف عن الإنجاب عند حد معين.

ورغم كل هذه العوامل إلا أنني أجدني مقتنعة بعدد لن يقل عن أربعة أطفال، فلا التعب اليومي يثنيني ولا فكرة الأعباء المادية المستقبلية تجعلني أتردد، ولا مسألة التربية الصعبة في الزمن الصعب توقفني، فمجرد صورة البيت ممتلئ بالحركة ومفعماً بالحياة ترويني، بينما أرتاح لحديث الرسول -صلي الله عليه وسلم- "تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" وهو حديث صحيح، وتلك قضية تجعلني ألتمس منها أفكاراً تربطني بالجذور وتقوي عزيمتي تجاه بناء الأمة بعقل ورشد.
 

ولا يظن القارئ أنني من المنعمين المترفين مادياً لأقول كلاماً مثالياً لا يرتبط بالواقع، بل إنني أزعم إدراكي لأحوال شباب كثر لا يكادون يسدون متطلبات يومهم، لكنني مُصرّة على أن على كل زوجين مؤمنين بفكرة الرزق أن يعيدا النظر.
 

فكروا عشرات المرات في ظروفكم ولكن لا تقطعوا الأمل بالغد، هناك دائماً حلول لكل شيء حتى للعوائق المالية المتعاظمة، وأنا على ثقة أن طفلاً وحتى طفلان لن يسدا رمقكم وعطشكم لفكرة امتداد النسل واستمراريته، ولا عدم الإنجاب سيجعلكم أكثر سعادة وإنجازاً وابتهاجاً في الحياة عندما يهرم العمر، ومسألة الرزق التي تأتي مع "تكاثروا" حقيقية، فلا تبتأسوا.. تكاثروا وأنجبوا بعقل وبتخطيط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.