شعار قسم مدونات

امتثالٌ للحياة

Blogs - man
كتبتُ منذ شهرٍ، في ليلة، أنّني أختنق، وأموت. أغلقتُ الملاحظات، وفقدتْ أجهزتي شحنها. كانت الساعة الثالثة فجرًا، والظلامُ يأكلُ المكان أكلًا! كأنّ الظلامَ لمْ يُخلَق إلا وقتها. كنت وحدي، وحدي فعلًا. أربع ساعاتٍ من فعلِ (لا شيء) سوى البكاء ربما -رغم أنه لا شيء- والاختناق -الذي كان شيئًا فعلًا. لا أدري إذا كانتْ كلماتٌ كهذه تصفُ الحال، لكنني كنتُ مُغتربًا عن العالَم.

لا أريدُ فعل شيء، ولا شيءَ يريدُ أن أفعله. أعودُ اليوم ليس لأقول أنّني أعيشُ ذلك مرةً أخرى، بل حتى أشرحَ لنفسي أنّني أفقدُها. تشتهي ألّا تشتهي أيَّ شيء! لم أكن هكذا. لم أكن أعيشُ على زاويةِ العالَم. يا الله. لا أدري. أنا لا أدري. هذا أكثرُ من وسعي، ولا طاقةَ لي به!

أنْ تفقدَ الشغف في كل شيء. لنْ أقول: (أن تفقدَ الفرح) أنا لا أعني ذلك، لم يعد للحزن والفرح مقاييس. أنا أعني: أن تفقدَ الشعورَ نفسه. لا أدري ما الذي أكتبه الآن، لكنني أقسم: أن تفقدَ العالم، خيرٌ لكَ من أن يكون معك، على كتفِك. عبئًا فقط.

مرحبًا أيّها الليل. مرحبًا أيّتها السماء الخاوية إلا من نجمةٍ وحيدة. مرحبًا أيّها الشتاء. أهلًا أيّها القمر المتواري لا أدري أين. الآن، أكتبُ الآن، خارجَ الوقت، إيمانًا باللحظة التي أكتبُ فيها فقط. وباستثناء المكان كليًّا. أعرفُ الآن، الآن وحسب، معنى أن يكون الإنسان مهزومًا. معنى أن يحملَ أحزانَه أينما ذهب.

أعرف الآن أنّ الفرح لحظيّ، ليس له وجودٌ في قياسات الزمان. أمّا الحزن، فله كتلة، وله ثقل. كما أنّه تراكميّ. أكتبُ الآن ولا رغبة لي في الكتابة، أفكّر في محو هذه الكلمات، واعتبارِ أنّها كانتْ أيضًا خارجَ الوقت. ما معنى أن يكون للإنسان كلّ هذا اللا قصْد، وكلّ هذا الموتِ الذي يمسحُ على رأسه. تنهيدةٌ قصيرة، سأعرفُ بعدها كيفَ أنّ للحزن فعلًا ثقل! كان ثقيلًا، صعبًا، في حين أنّه بسيط. كأنّه نيّة! لا أدري، أعرف الآن فقط أنّ الأدوار تتبدّل، أو لا تتبدّل، الاثنان معًا ربما. هذه هلوسة، لكنّها منطقيّة أليس كذلك؟ عرفتُها، هذا ما يسمّونه: يفقدُ الإنسان نفسَه.

أنا لا أشغلُ حيّزًا أيّها الليل، أنا فوقَ اعتبارات الفراغ، وأكثرُ من اللا موجودات. لماذا الموتُ ما يزالُ حيًّا، في حينِ يموتُ كلّ شيء؟ يموتُ كلّ شيء، حتى الجمادات تموت

لا أريدُ شيئًا، ولا أدري لمن أوجّهُ هذا الكلام حتّى، لكنني فقط أشعرُ بي شيئًا ثقيلًا، كما لو أنّني لستُ إنسانًا. مَن سيخبرُ الليل أنه كائنٌ سيء، وأنّ أعقابَ خذلاننا لم ينفضْها أحد؟ أغمضُ، أحتضنُ وسادتي، وأترنّمُ في سكوني وحيدًا، أهتزّ، وأنشجُ باكيًا بلا سببٍ، وسط هذا البرد. كأنّني أرتجي الحزن! هل قلتُ من قبل أنّني وحيدٌ إلى حدٍّ بعيد! وحيدٌ إلى حدِّ أنّ نفسي ليستْ معي.

أنا لا أشغلُ حيّزًا أيّها الليل، أنا فوقَ اعتبارات الفراغ، وأكثرُ من اللا موجودات. لماذا الموتُ ما يزالُ حيًّا، في حينِ يموتُ كلّ شيء؟ يموتُ كلّ شيء، حتى الجمادات تموت، لا تعني شيئًا، كلّ هذا افتعله شيءٌ واحد. كيف استطاع محوَ معاني كلّ تلك الأشياء. كيف للحزن هذه القدرة، كيف؟ أنا ضمنَك، كلّي هناك، برفقتك.

ضوءٌ برتقاليّ، لأعمدةِ إنارة. يمرُّ ثمَّ يختفي خطفًا، كأنّه حبٌّ قديم! يتسلّل من نافذةٍ مغبرّة، يخفّفُ الأثير من حدّةِ عبوره. لكنّه ينسلّ، كأنّه إبرة. صوتٌ خافتٌ من ندَم، يجرُّ للوراء. طرقُ العودة دائمًا.. أقصر.

لا أدري لماذا أنشر هذا الكلام، لكنني مؤمنٌ بما يقوله الفونسو ريس: "نحنُ ننشر حتى لا نبقى طوالَ حياتنا نصحّح المسوّدات".

أنا آسف، وجهي لم يعدْ قادرًا على محوِ كلِّ أوجاعك. آسف. خذْ بيدي أرجوك. عليكَ أن تؤمن يا عزيزي أنّني لا أعيش هذه الحالة، فالجميع بخير. أنا أتضمَّنُها ضمنًا فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.