شعار قسم مدونات

السينما الأميركية تصنع أسطورة القاعدة

blogs - فيلم عن القاعدة
يحكي فيلم المنزل الآمن قصة ضابط مخابرات أميركي منشق؛ تضطره الظروف إلى اللجوء للسفارة الأميركية في جنوب أفريقيا بعد اختفاء لمدة 20 عاما، وبالتالي يخطط الأميركيون لاستجوابه وتختار أحد المنازل الآمنة لهذا الأمر. تعين المخابرات فريقا لاستجوابه، وقبل بداية الاستجواب الذي سيتم بوسيلة الإيهام بالغرق الذي يفضلها الأميركيون يتفاخر رئيس فريق الاستجواب أمام الضابط المنشق أن خالد شيخ محمد لم يصمد أمام هذه الوسيلة سوى 20 ثانية. كانت هذه لفتة عجيبة، فخالد شيخ محمد هو المتهم الرئيسي في قضية هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهو مجرد قيادي في القاعدة.. متحمس ديني ومتطرف وجهادي.. نعم لكنه ليس ضابط مخابرات محترف تلقى تدريبا متطورا على مواجهة التحقيقات القاسية حتى يفخر المحقق الأميركي بكسر إرادته في الفيلم، فهذا لا يمثل دعاية جيدة للمخابرات الأميركية.. الحقيقة أن هذه المعلومة حتى لو لم تكن صحيحة فقد أضحكتني عندما سمعتها لأول مرة. أنا ضحكت.. لكن المراهق المسلم المتحمس عندما يرى الأميركيين يتفاخرون بنجاحهم أمام أعضاء القاعدة سيقتنع أن القاعدة عدو قوي وكبير للهيمنة الأميركية الظالمة على العالم وسينتهي به الطريق إما مؤيد قوي أو عضوا في القاعدة.

أصبحت مطاردة السلطات الأميركية لتنظيم القاعدة ملمحا أساسيا للأفلام التي تتناول المخابرات الأميركية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولقد تكررت معالجة الأمر حتى كاد الهوس بالقاعدة أن ينافس الهوس الأميركي بنهاية العالم، وهل ستكون بوباء أم نيزك مدمر. تكاد كل الأفلام التي أنتجت عن هذه القضية تجمع على تصوير التنظيم الجهادي في صورة العدو الخطير.. الجدي الذي يستحق الانتصار عليه احتفالا… وبصورة مبالغ فيها بشكل سخيف أحيانا.

لقد اعتبر الأميركيون أنفسهم في حرب حقيقية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وانتشر التطوع في القوات المسلحة بينهم، لقد أخذوا الثأر لقتلى هذه الهجمات بجدية شديدة، وأصبحت القاعدة في أي بلد في العالم هو العدو الأول.

في فيلم Zero dark thirty والذي يحكي قصة العثور على أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وتصفيته، يحتفل جنود وحدة السيل بابتهاج مفرط بقتل الشيخ المريض الذي يسكن مع أسرته في سكن عادي بدون حراسة في باكستان . لا أعتقد أنهم لو استطاعوا قتل أحد قادة أجهزة المخابرات الكبرى داخل مقره الرئيسي سيكونون أقل سعادة. وفي فيلم جسد من الأكاذيب بطولة ليوناردو دي كابريو؛ ترى القيادي في القاعدة قادرا على اختطاف ضابط مخابرات أميركية وتعذيبه.. ستشفق على هذا الضابط بالتأكيد.

لماذا تبالغ السينما الأميركية في وصف خطورة القاعدة بهذا الشكل حتى صنعت منه أسطورة حية؟ سيقول العديد بناء على نظرية المؤامرة التي يعشقها العرب أن الولايات المتحدة تصنع عدوا مسلما مخيفا حتى يوفر الحجة لقتل المسلمين واحتلال بلادهم ونهب خيراتهم. كما أن بعضهم سيجادل بأن وجود عدو ضروري للولايات المتحدة حتى يستمر عمل المجمع الصناعي العسكري الأميركي الذي يحتاج إلى الحروب والتوتر دائما حتى لا يتوقف إنتاجه. قد يكون هذا الطرح صحيحا؛ فالدولة الأميركية تستغل ظاهرة القاعدة لتحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط أسوأ استغلال. فوجود القاعدة كان هو الحجة للامتناع عن دعم الثورة السورية وقضيتها العادلة، كما أن العلاقة بالقاعدة وردت في الأسباب التي صدرتها الإدارة الأميركية لاحتلال العراق وتدميره. لكن القضية أعمق من نظرية المؤامرة.

كان هجوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 زلزالا مدمرا أصاب بناء حقائق الحياة لدى الأميركيين في اللحظة التي اصطدمت الطائرة الأولى ببرج التجارة العالمي. كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي يتم فيها هجوم جوي على هدف مدني أميركي بهذا الحجم. لم يفعلها النازيون ولا اليابانيون أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم يفعلها السوفيت طوال 35 عاما من الحرب الباردة، وفعلها القاعديون. ذلك الخطر الذي جاء من ظلام المجهول ليقتل منهم ثلاثة آلاف ويقضي على المناعة التي اعتادوا عليها منذ قيام الدولة الأميركية. قاس الوعي الجمعي الأمريكي قوة القاعدة وحجمه بقياس التأثير الذي أحدثه، فما دام امتلك القدرة والقوة على ما لم يفعله أحد في التاريخ، فلا بد أن يكون عدوا بخطورة الأعداء التاريخيين أو أكثر منها، وما يجعله مرعبا كونه خفي لا توجد واجهة محددة له أو وطن معروف.

لقد اعتبر الأميركيون أنفسهم في حرب حقيقية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وانتشر التطوع في القوات المسلحة بينهم، لقد أخذوا الثأر لقتلى هذه الهجمات بجدية شديدة، وأصبحت القاعدة في أي بلد في العالم هو العدو الأول حتى إن قتل قيادي في الصومال يعد مناسبة تستحق أن يخرج جنرال أميركي بأربعة نجوم أن يخرج لإعلان الإنجاز الكبير.. فالمبالغة بالاحتفاء بالانتصارات في حرب القاعدة لم تقتصر على السينما فقط. إن تقدير المؤسسة والمجتمع الأميركيين الشديد لحربهم ضد القاعدة يعد المصدر الرئيس لتجنيد الأتباع لعدوهم المخيف من حيث يدرون… أو لا يدرون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.