شعار قسم مدونات

ومن الحب ما طلّق..

blogs-love
كيف أعرف أنّني أحبّ؟ وكيف أعرف الحبّ من الاستلطاف؟ وكيف أعرف أن هذا الشخص هو "حبّ حياتي"؟ ما زلت أسمع هذه الأسئلة من أصدقائي، وما زلت أسمع الإجابات المختلفة. لكلّ نظريته حول ماهية الحبّ، وحول ما يفرضه، وحول معانيه، وحول دلالاته. وأغلب النظريات باتت تودي بالكثير من أزواج جيلنا إلى الطلاق! نعم، الحبّ بات يودي إلى الطلاق.

قبل أن أكمل طرحي عن الحبّ عندما يتحوّل إلى مشكلة، سأجيب عن بعض الانتقادات التي أتت على تدوينتي السابقة، لأنها حتماً ستنطبق أيضاً على هذه التدوينة:
أولاً: الغالبية العظمى في عالمنا العربي، حسب الدراسات، لا تحبّ قراءة المقالات الطويلة، ولذلك لم أشمل كلّ أسباب الطلاق في تدوينة واحدة، ولا الحلول.
ثانياً: مهما استفضت في المشاكل، تبقى لكل علاقة خصوصيتها، ولن أنجح في رصد كلّ المشاكل، ولا معالجتها. أنا فقط أبني بعض الافتراضات من محيطي ومما أراه في مجتمعاتنا، وطبعاً أنا لا أرى كلّ الحالات ولا كلّ مجتمعاتنا.
ثالثاً: رصد المشاكل قد يلفت نظر البعض إلى الحل، مثلاً في التدوينة السابقة الحلّ كان بين السطور في الدعوة إلى الابتعاد عن المعايير المادية عند اختيار الزوج أو الزوجة، والتركيز على الطباع والشخصية والأخلاق.

العيش بشكلٍ يومي مع شريكك يعني أنّكما لن تتراسلا أو تتهاتفا بقدر ما كنتما تفعلان في السابق. وأنّكما عندما ستتخاصمان لن يكون السبب الشوق، وإنّما على الأرجح عدم إخراج القمامة أو عدم كي الملابس.

الزواج عن حبّ هو برأيي الحلّ الأمثل لزواجٍ سليم وناجح يستمرّ في الزمن. فالحياة الزوجية فيها ما يكفي من الهموم التي تكبر عندما تصبح مشتركة. فالبطالة مثلاً أسهل على العازب منها على المتزوّج لأنّه ببساطة يتحمّل مسؤوليته وحده، وممكن أن يرمي ثقله على أهله. لكنّ المتزوّج سيجد صعوبةً أكبر في رمي مسؤوليات عائلته على الأهل، أو تحميل الشريك وحده أعباء العائلة. البطالة مثالٌ من أمثلة كثيرة عن الهموم التي تأخذ وزناً أكبر عندما تكون متزوّجاً. ودائماً أتساءل كيف يمكن لزوجين أن يتحمّلا الصعاب وأن تمرّ الأعباء بسلاسة عليهما من دون حبّ.

لكن ما الذي نعرفه عن الحبّ؟ أغلبنا نشأ في بيئة محافظة، حيث كان الحبّ بالنسبة لنا هي الابتسامات الخفية والنظرات الحنونة التي يحاول أهلنا إخفاءها عن أعيننا. ما تعلّمناه من أهلنا عن الحبّ هو الغموض. وبما أنّنا مجتمعات محافظة أيضاً، أغلبنا يصل إلى الزواج بخبرةٍ في الحبّ تقتصر على نظرات هائمة ببنت الجيران، أو رسائل مجهولة تتركها على طاولة الأستاذ. من معرفتي بالمجتمعات الغربية، العلاقات قبل الزواج غالباً لا تضيف معرفة أعمق بالحبّ. فلا تتهموني بأنّني أشجّع ذلك، واصبروا قليلاً وتابعوا القراءة.

غرباً وشرقاً، مجتمعات محافظة، أم مجتمعات "متحرّرة" -مع أنّني لا أؤمن بهذه التوصيفات-، أغلب ما يعرفه الإنسان عن الحبّ هو ما رآه من تجارب غيره. وأكثر تجارب الحبّ التي يراها هي في السينما، والمسلسلات، والروايات لمن يقرأ، وهذا هو الحبّ الذي يقضي على الزواج! فالحبّ في الدراما هو حتماً درامي! غرام وانتقام، عشق وجنون، خصام وصراخ ينتهي بشوق وحنين. وينتهي الفيلم أو المسلسل عندما تنتهي الدراما. أي غالباً عندما يبدأ الزواج! لذلك بات مفهومنا للزواج مشوّهاً. نتخطى صعوبات رفض الأهل، نتخطّى صعوبات تأمين ما يكفي لتأسيس البيت الزوجي، ونتخطى صعاب البعد وانتظار حفل الزفاف، ثم عندما تبدأ حياتنا الزوجية نفتقد لكل هذه الإثارة والتشويق، ونفتقد خصوصاً للخبرة في الحياة الزوجية.

العيش بشكل يومي مع شريكك يعني أنّكَ لن تشعر كلّ مرّة باللهفة للقائها كما كنت تشعر عندما كانت تعيش في بيت أهلها.
العيش بشكلٍ يومي مع شريكك يعني أنّكِ لن تتلقيّ وروداً كلّما خاطبك بنبرة قاسية.
العيش بشكلٍ يومي مع شريكك يعني أنّكما لن تتراسلا أو تتهاتفا بقدر ما كنتما تفعلان في السابق. وأنّكما عندما ستتخاصمان لن يكون السبب الشوق، وإنّما على الأرجح عدم إخراج القمامة أو عدم كي الملابس. مشاكلكما الرومنسية في السابق من نوع "والدك لا يحبّني" أو "اشتقت إليك"، ستتحوّل إلى مشاكل بعيدة كلّ البعد عن الرومنسية من نوع "لا تسمعني عندما تشاهد التلفاز" و"لا تطبخين لي الطعام كما أحبّه".

نعتقد أن الغيرة هي دليل حبّ. فنشتكي لأن شريكنا لا يغار. ننسى أنّه لا يغار لأنّه يثق بنا. فنعتقد أنّ زواجنا بات سجناً. أو نتظاهر بالغيرة لأنّنا نعتقد أنّها دليل حبّ، فنحوّل زواجنا إلى سجنٍ للآخر.

وعندما يخلو زواجكما من المشاكل، لن تجدا ما تخبراه لأصدقائكما. فالاستقرار لا يشكّل روايةً جيّدة، ولا فيلماً جيداً. لا أحد يريد أن يدفع تذكرة سينما لمشاهدة زوجين يلتقيان كل يوم بعد الدوام، يتشاركان تحضير مائدة الطعام، يتناولان طعامها بهدوء، ويتبادلان الحديث عن العمل ومخططات نهاية الأسبوع والأصدقاء المشتركين.

المرّة الوحيدة التي رأيت هذا المشهد في السينما كان في بداية فيلم مستر أند سميث، وانتهى المشهد بمحاولة أنجلينا جولي وبراد بيت قتل بعضهما البعض. ومن معرفتنا الهوليوودية بالحبّ، كثيرون يخلطون الاستقرار بالملل. يخترعون لأنفسهم مشكلة ليست موجودة في زواجهم: الضجر. نظرتنا للحبّ تقتل الحبّ الحقيقي تدريجياً. والتمييز بينهما لا يبدو سهلاً على الجميع.

نغرق في المسلسلات التركية كلّ يوم، وحتّى العربية، نعتقد أن الغيرة هي دليل حبّ. فنشتكي لأن شريكنا لا يغار. ننسى أنّه لا يغار لأنّه يثق بنا. فنعتقد أنّ زواجنا بات سجناً. أو نتظاهر بالغيرة لأنّنا نعتقد أنّها دليل حبّ، فنحوّل زواجنا إلى سجنٍ للآخر من دون مبرّر حقيقي. طبعاً هناك من يغار فعلاً، وهناك من يحبّ أن يشعر بالغيرة عليه، ولكنّنا لا نشبه بعضنا جميعاً.

نواصل فيلم حياتنا الزوجية من حيث أنهاه المخرج. وبما أنّ أغلبنا ليس موهوباً للسينما، كل ما نخرج به هو تتمةّ رديئة من فيلمٍ يعدّ متوسّط الجودة، في أحسن أحواله. فما بالك عندما نضيف على موهبتنا السينمائية الضعيفة سيناريوهات محيطنا الخالية من الموهبة؟ ولكن لتدخّل الآخرين تدوينة مقبلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.